دعت وزارة الخارجية الأميركية، الحكومة العراقية الاتحادية وحكومة إقليم كردستان إلى الدخول في حوار بنّاء ومتسق لحل أزمة رواتب موظفي الإقليم، محذّرة من أن استمرار الأزمة قد يؤثر سلبًا على مناخ الاستثمار الأجنبي في العراق ويهدد الثقة في الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
وقالت المتحدثة باسم الوزارة، تامي بروس، في مؤتمر صحفي من واشنطن، إن بلادها "تتابع عن كثب أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان"، مؤكدة أن "معالجة هذه القضية من خلال الحوار المبني على المسؤوليات الدستورية سيوجه رسالة إيجابية إلى المستثمرين، خصوصًا الشركات الأميركية، بأن العراق ماضٍ في تهيئة بيئة استثمارية آمنة".
وأضافت بروس، أن التقدم في هذا الملف "سيساهم أيضًا في تعزيز التعاون الثنائي بين بغداد وأربيل، لا سيما في ما يتعلق بإعادة تشغيل خط أنابيب العراق-تركيا وتوسيع عمليات التنقيب عن الطاقة".
كما أعادت بروس التأكيد على موقف وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي شدد في لقاءاته الأخيرة مع كبار المسؤولين العراقيين على دعم بلاده لـ"إقليم كردستان قوي ومتماسك"، معتبرة أن هذا يشكل "عنصرًا محوريًا في العلاقة الأميركية-العراقية".
تصعيد سياسي داخلي وسط غياب الحلول المالية
في الداخل، ما تزال أزمة الرواتب تمثل ملفًا مزمنًا في العلاقة المتوترة بين بغداد وأربيل، وسط تبادل للاتهامات بين الطرفين بشأن المسؤولية عن تأخير الصرف.
فبينما تربط الحكومة الاتحادية تحويل الرواتب بـ"تسليم كامل صادرات النفط إلى شركة سومو الحكومية، وضمان الشفافية في الإيرادات غير النفطية"، ترى أربيل أن هذه الشروط "تتجاوز الصلاحيات الدستورية للإقليم" وتشكل أدوات ضغط سياسي.
وفي هذا السياق، كشفت النائبة عن الاتحاد الوطني الكردستاني، سروة محمد، الثلاثاء، عن وجود توجه لدى الإقليم للاقتراض من الحكومة الاتحادية لتغطية الرواتب، في ظل غياب أي حلول فورية أو تمويل مستقر.
وقالت محمد، إن الإقليم "سلّم قائمة الرواتب والإيرادات في وقتها هذا الشهر، ورغم ذلك لم يتم صرف المستحقات"، لافتة إلى أن "تعديل المادة 12 من قانون الموازنة وتشكيل لجنة تفاوضية لم يؤديا إلى نتائج ملموسة حتى الآن".
وأضافت أن "غياب التخصيصات المالية لا يجب أن يُحمَّل على المواطن"، مشيرة إلى أن "نواب الإقليم يمارسون ضغوطًا داخل البرلمان لتفعيل التمويل، وهناك لجنة جديدة بدأت الحوار مع وزارة المالية".
أزمة متجددة و"سلف اتحادية" بلا حلول مستدامة
منذ سنوات، لم يتمكّن الطرفان من التوصل إلى آلية مستقرة لصرف رواتب موظفي الإقليم، حيث يتجدد الجدل مع كل دورة موازنة اتحادية، ويظل الملف رهينًا للمساومات السياسية والشروط النفطية.
وفي أعقاب توقف تصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي قبل نحو عامين، تحولت مستحقات الرواتب إلى ما يُعرف بـ"السلف"، تُحوَّل شهريًا من بغداد دون أن تُعتبر جزءًا من التخصيصات الثابتة.
وتتهم أربيل الحكومة الاتحادية باستخدام الورقة المالية كأداة ضغط، بينما ترى بغداد أن غياب الالتزام بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية يُفقدها المشروعية القانونية في التمويل.
مناخ استثماري مهدد
ويرى مراقبون أن إطالة أمد الأزمة دون إيجاد حل دستوري وشفاف يهدد مناخ الاستثمار في العراق عمومًا، وليس فقط في الإقليم، خاصة في ظل ازدياد الاعتماد على الشركات الأجنبية في قطاعي الطاقة والإعمار.
وتشير التقديرات إلى أن استمرار الأزمة قد يعمق حالة عدم اليقين المالي والإداري، ما يدفع الشركات إلى إعادة تقييم مخاطر العمل في بيئة تتأثر فيها الرواتب بسياسات غير مستقرة.
م.ال
اضف تعليق