تضم الصين عشر قوميات مسلمة أكبرها قومية هُوِي التي يتمركز معظم أبنائها في ‏مقاطعة نينغشيا شمال غربي ‏البلاد، وهي ثالث أكبر مجموعة عرقية في‎ ‎الصين، ‏وتضم صينيين تحولوا إلى الإسلام، أو آخرين تزوجوا ‏بمهاجرين مسلمين. بينما ‏تنحدر معظم الأقليات المسلمة الأخرى من شعوب دول آسيا الوسطى، مثل ‏أوزبكستان ‏وقرغيزستان وكازاخستان وطاجكستان وتركمانستان‌‏.‏

ومع اقتراب شهر رمضان، بدأ أبناء قومية هُوِي إعداد العدة لاستقبال الشهر الذي ‏يحظى بطقوس وتقاليد‎ ‎خاصة ‏ومميزة، تختلف عن طقوس بقية القوميات، وتشمل ‏تجهيز المنازل، وتزيين الطرقات والشوارع، وتنظيف المساجد ‏وإعادة طلائها، ‏وتحضير وجبات الطعام الرمضانية، وتبادل الموائد، ولم شمل الأسر، والتردد على ‏مراكز تحفيظ ‏القرآن، وغيرها‎.‎

‏ ينحدر ناصر الدين يونغ، وهو إمام مسجد في مقاطعة نينغشيا، من قومية هوي، ‏ويقول ،إن ‌‏"شهر رمضان هو هبة إلهية لتذكير المسلمين بأنهم عائلة واحدة، ‏يمسكون عن الطعام ويفطرون في وقت واحد، مع ‏اختلاف التوقيت بين دولة ‏وأخرى. وعندنا في نينغشيا، يمثل شهر رمضان قيمة كبيرة، فمن الناحية الدينية، ‏هو ‏فرصة لتنقية النفس وتطهير الروح من الشرور ومفاسد الحياة، كما أنه قوة دافعة ‏للقيام بالمزيد من الأعمال ‏الصالحة، لنصبح أشخاصاً أسوياء، ونعود إلى فطرتنا ‏الأولى‎".‎

يضيف: "من الناحية الاجتماعية، يعتبر شهر رمضان فرصة للم شمل الأسر المشتتة ‏بسبب ظروف العمل، سواء ‏داخل الإقليم أو خارجه، فقبل نحو أسبوع من حلول ‏الشهر، يبدأ الأبناء بالعودة، ويجلبون معهم الهدايا، ويساهمون ‏في أعمال التنظيف ‏والتحضير لاستقبال الشهر، وعادة ما يكونون غائبين لمدة تصل إلى العام، فتكون ‏فرحة استقبال ‏رمضان مضاعفة بعودتهم‎".‎

وحول أبرز عادات رمضان، يقول ناصر الدين: "نبدأ منذ منتصف شهر شعبان ‏إعداد الزينة التي يغلب عليها الطابع ‏الروحاني، مثل الفوانيس واللافتات الخضراء ‏المطرزة بآيات قرآنية، ونعلقها على أبواب المنازل وعلى الشرفات، ‏وفي الساحات ‏العامة، كما نقوم بإعادة طلاء المساجد، وتحديث سجاجيد الصلاة، والإضاءة ‏والستائر. نحرص على ‏استقبال الشهر بحلة جديدة في كل عام لإضفاء البهجة وبث ‏السرور في النفوس‎".‎

وحول طقوس الإفطار وأبرز الأطعمة، يوضح ناصر الدين، أن "العائلات تنقسم إلى ‏قسمين، الأول يبقى في ‏المنازل، ويضم النساء والأطفال دون العاشرة، وقسم آخر ‏يتوجه إلى المساجد، وهم الرجال والشيوخ والشباب، حيث ‏يتم إعداد موائد كبيرة ‏بمشاركة الأهالي عبر صناديق التبرعات، وتقدم هذه الموائد وجبات إفطار مجانية، ‏وما يزيد ‏منها يتم توزيعه في وقت لاحق على العائلات المستورة. البطيخ عنصر ‏أساسي على كل مائدة، وهو يعادل حضور ‏التمر عند المسلمين العرب على موائد ‏الإفطار، فالصائم يحتاج إلى كميات وفيرة من السوائل، وثمرة البطيخ هي ‏الأنسب ‏من الناحية الصحية‎".‎

ويشير إلى أن "الوجبات الأساسية في رمضان تشمل لحم الغنم المطبوخ مع الخضار ‏والتوابل، وكذلك البط المطهو بالبخار، ‏والزلابية والفطائر الصينية، إلى جانب ‏الفواكه الطازجة. بمجرد الانتهاء من وجبة الإفطار، يتفرغ الجميع للتجهيز ‏لصلاة ‏التراويح، وبعد ذلك يتم تنظيم حلقات صغيرة في كل مسجد لقراءة القرآن، ‏وعادة ما تستمر هذه الحلقات حتى موعد السحور‎".‎

من جهته، يعتبر يوسف الأمين، وهو صاحب شركة من قومية هوي المسلمة، يقيم ‏في مدينة كوانجو، أن شهر رمضان فرصة ‏لإبراز الهوية الدينية لأكبر قومية مسلمة ‏في البلاد. ويقول: "في دولة قارية بحجم الصين التي يبلغ تعدادها ‌‏1,4 مليار نسمة، ‏يعتبر المسلمون أقلية، ولا تكاد تعرف القوميات الصينية الأخرى شيئاً عن الدين ‏الإسلامي، لذا نحاول في كل ‏عام استغلال شهر رمضان للتعريف بهويتنا الدينية من ‏خلال تفاصيل صغيرة لكنها مهمة، مثل تحضير بوفيه رمضان في ‏المطاعم المسلمة ‏بالمدن، وتعليق الفوانيس والزينة، وهي مظاهر عادة ما تستوقف عامة الناس ‏للتساؤل عن معناها". يضيف: ‌‏"شخصياً، أشعر بسعادة غامرة حين يستوقفني أحدهم ‏للسؤال عن دلالات الزينة، أو معنى الصيام وتأثيره على الصحة، وفي كل ‏مرة ‏أسهب في الإجابة لتعريف الآخر بهويتنا الدينية وعاداتنا الخاصة. حتى إن بعض ‏الصينيين غير المسلمين بعد الاستماع لنا ‏والانبهار بعاداتنا يحاولون تجريب الصيام، ‏وبعضهم يتردد على المطاعم الإسلامية لتناول وجبات الإفطار، كي يكونوا ‏قريبين ‏من هذه الأجواء الخاصة‎".‎

وتقدّر إحصاءات غير رسمية عدد المسلمين في الصين بمائة مليون نسمة، بينما ‏تشير ‏التقارير الحكومية إلى أن عددهم لا يتجاوز 23 مليوناً، ورغم أن دخول ‏الإسلام إلى ‏الصين يعود إلى أكثر من 1350 عاماً، لا يزال عامة الشعب الذي ‏ينحدر أكثر من ‌‏91% منهم من قومية هان، يجهلون الإسلام، إذ تعتبر الصين دولة ‏ملحدة في ظل ‏نظام الحكم الشيوعي، لكنّ حوالي 18% من مواطنيها يتبعون ‏البوذية، وهناك نحو ‌‏5% من المسيحيين‌‎.‎

المصدر: العربي الجديد

ع.ع

اضف تعليق