في لحظة يغيب فيها الأفق السياسي وتتصاعد الأزمات المسلحة في أكثر من ساحة دولية، يبدو أن الصراع الدولي بات يتخذ منحنيات أكثر حدة، من دعم أمريكي غير مشروط لأوكرانيا، إلى تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في سوريا، وسط صمت أممي خافت وادعاءات متكررة بالسعي نحو "سلام دائم".

دعم أمريكي بلا سقف: صفقة الـ F-16 والوعود الغامضة

وفي تطور جديد يعكس تمسك الولايات المتحدة بخياراتها الاستراتيجية تجاه أوكرانيا، كشفت وكالة "رويترز" نقلاً عن مصادر رفيعة أن وزارة الخارجية الأمريكية ستقر صفقة دعم وتدريب جديدة لطائرات إف-16 مخصصة للقوات الأوكرانية، بقيمة تقدر بـ 310 ملايين دولار.

يأتي ذلك وسط تصاعد التوتر في العلاقات بين كييف وواشنطن، لاسيما بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث أُبرم اتفاق ثنائي يُعرف بـ"اتفاق المعادن"، أسّس لما يسمى بـ"صندوق الاستثمار الأمريكي الأوكراني لإعادة الإعمار"، دون أن يقدم أي ضمانات أمنية ملزمة لأوكرانيا.

وصرح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن الاتفاق يمثل "خطوة نحو السلام وتمكين أوكرانيا اقتصاديًا"، مشددًا على التزام الولايات المتحدة بمساعدة كييف على "التعافي من الحرب القاسية والعبثية"، حسب وصفه.

لكن هذا الموقف لم يُرضِ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي رفض توقيع نسخة أولية من الاتفاق في فبراير الماضي، منتقدًا تصنيفه للمساعدات الأمريكية كديون، ومتذمرًا من غياب أي صيغة تتعلق بأمن أوكرانيا المستقبلي.

ورغم هذه الخلافات، أكد البيت الأبيض، أن الاتفاق يؤكد على "التحالف الاستراتيجي طويل الأمد"، وعلى دعم واشنطن لإدماج أوكرانيا في الأطر الاقتصادية الغربية، وهو ما اعتبرته صحيفة واشنطن بوست "نصرًا رمزيًا" لأوكرانيا، لكنه يفتقر إلى قوة الردع في وجه موسكو.

زيلينسكي يطرق الأبواب الأوروبية واللاتينية

لم يكتف الرئيس الأوكراني بتحريك المياه الراكدة في العلاقات مع واشنطن، بل أجرى خلال الساعات الماضية اتصالين رفيعي المستوى، الأول مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن لبحث خطوات "زيادة الاستثمار في إنتاج الأسلحة داخل أوكرانيا"، والثاني مع رئيس الإكوادور دانيال نوبوا لتوسيع التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، في إطار ما وصفه زيلينسكي بـ"الدبلوماسية الشاملة لأجل الاستقلال والسيادة".

سماء دمشق تشتعل مجددًا.. وتصعيد غير مسبوق في العمق السوري

وفي محورٍ آخر لا يقل توترًا عن شرق أوروبا، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات عنيفة ومتزامنة فجر السبت استهدفت مواقع عسكرية سورية في دمشق، درعا، حماة، واللاذقية، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجيش السوري، وفق ما أفادت به مصادر ميدانية.

تفاصيل الهجمات تشير إلى أن الغارات طالت أهدافًا استراتيجية، منها:

  • فوج المدفعية في إزرع (ريف درعا)
  • الفوج 41 في حرستا
  • مستودعات معامل الدفاع في مصياف (ريف حماة)
  • كتيبة الدفاع الجوي في رأس الشعرة (ريف اللاذقية)
  • كتيبة الصواريخ في التلول الحمر غرب درعا
  • مواقع متعددة بمحيط مدينة حرستا وبلدة التل بريف دمشق

ووثقت وسائل إعلام سورية أكثر من 13 غارة خلال ساعة واحدة، في ظل تحليق مكثف للطائرات الحربية الإسرائيلية، خاصة فوق السويداء، درعا، القنيطرة ودمشق.

وفي تطور لافت، تحدثت تقارير محلية عن هبوط مروحية إسرائيلية في محافظة السويداء لعدة دقائق قبل أن تغادر نحو الجولان المحتل، في إشارة محتملة لعملية استخبارية محدودة أو إنزال عسكري خاطف.

مصادر في القيادة العسكرية السورية أفادت بأن الرادارات التركية أطلقت إشارات تشويش وتحذير للمقاتلات الإسرائيلية، في تصرف استثنائي يطرح تساؤلات حول حجم التنسيق العسكري الإقليمي ومواقف أنقرة من التمدد الإسرائيلي المتصاعد.

مشهد دولي مضطرب ومصالح متداخلة

التحركات الدولية في الملفين الأوكراني والسوري تعكس اتجاهاً ثابتاً نحو التوازن بالقوة وليس عبر الدبلوماسية، حيث تسعى واشنطن لضمان نفوذها شرقي أوروبا عبر دعم عسكري واقتصادي مستمر لأوكرانيا، فيما تستخدم إسرائيل تكتيك "الضغط الميداني" لتكريس نفوذها الإقليمي في مواجهة ما تعتبره تهديدات من أطراف تدعمها طهران.

ورغم التباعد الجغرافي بين المسرحين، إلا أن الترابط في الاستراتيجية الغربية يظهر جلياً؛ إذ تحرص واشنطن على دعم كييف دون تقديم التزامات نهائية، بينما تغض الطرف عن الانتهاكات المتكررة للسيادة السورية.

مستقبلاً، يرجّح مراقبون أن يستمر هذا النمط من إدارة الأزمات دون حلول جذرية، مع ارتفاع مستوى الاعتماد على القوة العسكرية وتراجع فعالية أدوات الضغط السياسي، ما لم يحدث تحوّل في المواقف الكبرى داخل مجلس الأمن الدولي أو يعاد فتح قنوات تفاوض جدية بين القوى الفاعلة.

ملف الامن/ وكالة النبأ

م.ال

اضف تعليق