أصدر ملتقى النبأ للحوار تقريرا بحثيا موسعا بعنوان "الرقابة القضائية على الهيئات اللامركزية في العراق" للدكتور نذير ثابت محمد علي القيسي، الذي صدر في مؤتمر النبأ مع جامعة الكوفة كلية القانون بوقت سابق، تناول فيه الإشكاليات القانونية والدستورية التي تواجه العلاقة بين السلطات الاتحادية وسلطات المحافظات، خصوصًا في ظل تطبيق مبادئ اللامركزية الإدارية التي أقرها دستور العراق لعام 2005.
بين الاستقلال والمساءلة
يركز التقرير على التوازن الحساس بين تمتع الهيئات اللامركزية بقدر من الاستقلال في إدارة شؤونها المحلية، وبين خضوعها للرقابة القضائية عند التجاوز أو الإخلال بواجباتها. ويشير الباحث إلى أن هذا التوازن يُعد جوهر نظام اللامركزية الإدارية، ويستلزم تأطيرًا قانونيًا دقيقًا للحيلولة دون وقوع مخالفات مالية أو إدارية دون مساءلة قانونية.
محور الحسم في النزاعات
اعتمد الباحث في تحليله على النصوص الدستورية، ولا سيما المواد (109–113)، التي تحدد صلاحيات السلطات الاتحادية، إضافة إلى المادة (115) التي تنص على أن ما لم يُذكر في الاختصاصات الحصرية يعود إلى سلطات الأقاليم والمحافظات.
وقد برز في هذا الإطار دور المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة القضاء الإداري بوصفهما المرجع الأساسي في فضّ النزاعات بين المركز والمحافظات، لا سيما تلك المتعلقة بتفسير الصلاحيات أو الطعن في القرارات الإدارية الصادرة عن الهيئات اللامركزية.
أدوار متقاطعة
يُبيّن التقرير أن المحكمة الاتحادية العليا تمارس دورا جوهريا في النظر في النزاعات بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم والمحافظات، بينما يتولى القضاء الإداري مهمة مراجعة قانونية القرارات الصادرة عن مجالس المحافظات والمجالس المحلية، حفاظًا على مبدأ المشروعية وضمانًا لحقوق المواطنين.
ورغم أهمية هذا الدور، إلا أن الباحث سجّل بعض الملاحظات حول تضارب الأحكام القضائية، لا سيما فيما يتعلق بسلطة المحافظات في فرض الضرائب والرسوم، وكذلك قصور النصوص القانونية في تنظيم الطعون بقرارات الإقالة أو حل المجالس المحلية.
أبرز التوصيات التشريعية.. خلص التقرير إلى جملة من التوصيات أبرزها:
- النص صراحة في القانون على خضوع قرارات محكمة القضاء الإداري للرقابة من قبل المحكمة الإدارية العليا.
- تعديل النصوص القانونية التي تقيد حق أعضاء المجالس المحلية أو المحافظين المقالين من الطعن في قرارات القضاء الإداري.
- إعادة النظر في تنظيم الطعون بقرارات حل المجالس المحلية لضمان العدالة القانونية والرقابة القضائية الكاملة.
نحو ترسيخ دولة القانون
يوجه التقرير في ختامه دعوة للمشرّع العراقي إلى تفعيل الضمانات القانونية التي تُعزّز من مبدأ الفصل بين السلطات، وتحافظ على وحدة الدولة دون الإخلال بحقوق المحافظات في إدارة شؤونها. كما شدد على ضرورة تفعيل الرقابة القضائية كوسيلة حضارية لمعالجة أي تجاوزات أو خروقات ترتكبها الهيئات اللامركزية.
يُذكر أن هذا البحث يأتي في إطار سلسلة دراسات وندوات قانونية ينظمها ملتقى النبأ للحوار، والتي تهدف إلى دعم بناء مؤسسات الدولة، وتعزيز سيادة القانون، وإيجاد حلول مستدامة للتحديات الإدارية والحوكمة في العراق.
اضف تعليق