في الجنوب تكمن أسرار العراق وثرواته وآمال شعبه وقوته البشرية الشابة ومعاركه، وفيه يختزن أعظم احتياطي نفط وتزهر الزراعة، وجل ثروات البلاد تستخرج وتصدر من هناك عبر ميناءين أساسيين هما "البصرة" النفطي (البكر سابقاً) و"خور العمية"، اللذان تعرضا لأطول معارك التاريخ الحديث إبان الحرب العراقية - الإيرانية خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي (1980-1988)، وكذلك حروب الخليج المتعاقبة التي تلتها، وكانا مسرحاً للفوضى.
بعد أن جرت مياه كثيرة تحت جسور دجلة والفرات وشط العرب وروافدها، لم تتحقق كلتا المهمتين، وظلت مياه النهرين حبيسة السدود التركية من جهة، والإيرانية من جهة أخرى.
الحاجة إلى عمق بحري
على رغم أن الاتفاقية التي أبرمتها الحكومتان العراقية والكويتية لتنظيم الملاحة في هذا الممر الحيوي، التي صادق عليها البرلمان العراقي في 29 أبريل 2013، بعد 20 عاماً من رفض نظام صدام حسين للقرار 833 الذي أقره مجلس الأمن عام 1993 في شأن ترسيم الحدود بين الكويت والعراق، فإن بعض الأصوات لا تزال تطالب بإلغاء الاتفاقية والتراجع عن تنفيذ بنودها، معتبرة أنها لا تحقق الإنصاف الكافي للعراق، وجرت إبان حقبة فساد ضلل فيها الرأي العام والبرلمان، وفق الرافضين لها من البرلمانيين العراقيين والناشطين.
وبينما تسعى الحكومة العراقية إلى إلغاء قرار المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية التصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في "خور عبدالله"، التي تم توقيعها بين العراق والكويت وصادق عليها البرلمان العراقي عام 2013، أتى بيان مجلس التعاون الخليجي ليؤكد دعم الكويت في ملف "خور عبد الله".
وبررت المحكمة العراقية حكمها بأن التصديق على الاتفاقية لم يحصل على غالبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب وقتها، وهو ما يقره الدستور العراقي النافذ.
استياء كويتي
حكم المحكمة الاتحادية العليا في العراق أثار استياء كويتياً واسعاً، حيث سلمت الحكومة مذكرة احتجاج رسمية للسفير العراقي لديها، معربة عن رفضها القاطع للحكم، ومطالبة بغداد باتخاذ خطوات لمعالجة تداعياته، في حين وصف وزير الخارجية الكويتي الحكم بأنه يحوي "مغالطات تاريخية"، مؤكداً أن بلاده تتوقع من الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات ملموسة وحاسمة وعاجلة لمعالجة هذا الأمر. ودعت الكويت العراق إلى العمل بالاتفاقات الدولية، مستندة إلى قرار مجلس الأمن رقم 833 عام 1993 الذي ينص على تقسيم مياه "خور عبدالله" مناصفة بين البلدين.
من جانبها أكدت الحكومة العراقية التزامها الاتفاقات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مشددة على "أهمية احترام وتنفيذ الاتفاقات المبرمة بين العراق والكويت وفق السياقات الدستورية والقانونية".
وقدم كل من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد، طعناً رسمياً منفرداً على قرار المحكمة الاتحادية العليا في شأن الاتفاقية، وهما يعترضان فيه على قرار إبطال تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة في "خور عبدالله" المبرمة بين العراق والكويت، ويطالبان بالعدول عن القرار والعودة إلى بنود الاتفاقية المبرمة بين البلدين في إطار سعي الحكومة العراقية للحفاظ على العلاقات الثنائية مع الكويت، وتجنب أي توترات قد تنجم عن قرار المحكمة الدستورية التي أجلت النظر بتلك الطعون بعيد عقد القمة العربية المقررة في بغداد في الـ17 من مايو (أيار) الجاري.
وفي أحدث موقف يدعم الموقف الكويتي في "خور عبد الله" جددت دول مجلس التعاون الخليجي أمس الثلاثاء دعمها لموقف الكويت حول ملف ترسيم الحدود البحرية مع العراق، مشددة على أهمية إحراز تقدم إيجابي في هذا المسار واحترام بغداد التام لسيادة جارتها الخليجية.
وجاء ذلك خلال الاجتماع الاستثنائي الـ47 للمجلس الوزاري الخليجي الذي عقد برئاسة وزير الخارجية الكويتي عبدالله اليحيا، رئيس الدورة الحالية، وبمشاركة وزراء خارجية دول المجلس. وقال الأمين العام للمجلس جاسم محمد البديوي إن الاجتماع خصص لبحث مستجدات الترسيم البحري بين الكويت والعراق لما بعد العلامة رقم 162.
المصدر: اندبيندنت
س ع
اضف تعليق