تستعد المحكمة العليا الأميركية، يوم الخميس، للاستماع إلى مرافعات حاسمة في أولى القضايا المرتبطة بسلسلة الإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب مع بداية ولايته الثانية، وتحديداً تلك المتعلقة بتعديل قواعد منح الجنسية الأميركية بالولادة.

ويطعن محامو الإدارة الأميركية في قرارات صدرت عن محاكم أدنى أوقفت على مستوى البلاد تنفيذ أمر تنفيذي أصدره ترامب، يهدف إلى حرمان الأطفال المولودين على الأراضي الأميركية من الجنسية إذا كان والداهم يقيمان بشكل غير قانوني أو مؤقت في الولايات المتحدة.

وتضع هذه القضية المحكمة العليا أمام اختبار قانوني ودستوري بالغ الأهمية، قد يزعزع الفهم الراسخ لمفهوم المواطنة بالولادة، المستند إلى التعديل الرابع عشر من الدستور الأميركي منذ أكثر من 125 عامًا، والذي تم إقراره عام 1868 عقب الحرب الأهلية، لضمان منح الجنسية للعبيد المحررين وأبنائهم.

وينص التعديل الرابع عشر صراحةً على أن: "جميع الأشخاص المولودين أو المتجنسين في الولايات المتحدة والخاضعين لولايتها القضائية هم مواطنون للولايات المتحدة."

وقد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ في حكمها التاريخي في قضية وونغ كيم آرك عام 1898، حيث قررت أن كل من يولد على الأراضي الأميركية هو مواطن، باستثناء أبناء الدبلوماسيين وأعداء الدولة أثناء الاحتلال العسكري.

وكان ترامب قد وقّع أمرًا تنفيذيًا في اليوم الأول من ولايته الثانية يقضي بحرمان الأطفال من الجنسية ما لم يكن أحد الوالدين مواطنًا أو مقيمًا قانونيًا دائمًا، مدعيًا أن المقيمين بصورة غير شرعية أو مؤقتة "ليسوا خاضعين للولاية القضائية الأميركية".

وقد قوبل هذا القرار بسلسلة من الدعاوى القضائية التي رفعتها ولايات ومنظمات حقوقية ومهاجرون، تتهم إدارة ترامب بمحاولة تقويض الأسس الدستورية للمواطنة.

وقد رفضت جميع المحاكم التي نظرت في الطعون حتى الآن مزاعم الإدارة، وعلّقت تنفيذ القرار.

إلى جانب جوهر القضية المتعلق بالجنسية، سيتناول القضاة مسألة مدى مشروعية "الأوامر القضائية الوطنية"، وهي قرارات يصدرها قضاة فدراليون وتعطل أو تلغي سياسات الحكومة على نطاق البلاد بأكملها، لا على مستوى الأطراف المتنازعة فحسب.

وتطالب إدارة ترامب، التي سبق وأعربت إدارات ديمقراطية مثل إدارة بايدن عن قلقها حيال هذه الممارسة، بتقييد قدرة القضاة على إصدار مثل هذه الأوامر الشاملة.

ويرى مراقبون أن المحكمة، حتى وإن لم تصدر حكمًا نهائيًا في مسألة المواطنة، قد تُلمّح إلى مواقفها من الأمر التنفيذي المثير للجدل، وهو ما قد يمهد لتطورات قانونية لاحقة تؤثر على ملايين الأشخاص.

ويحذر محامو المعترضين على قرار ترامب من أن تقييد أوامر الحظر على نطاق ضيق سيؤدي إلى فوضى قانونية.

إذ قد يتمتع طفل مولود في ولاية تخضع لأمر حظر بتنفيذ القرار بصفة مواطن، بينما لا يحصل طفل آخر وُلد في ولاية أخرى على نفس الحق، ما يُنتج منظومة قانونية متناقضة داخل الدولة الواحدة.

من جهتها، تدافع وزارة العدل الأميركية عن مبدأ الحد من الأوامر القضائية واسعة النطاق، بحجة أن المحاكم يجب أن تبت في النزاعات بين الأطراف المحددة أمامها فقط، وليس في السياسات العامة على مستوى البلاد.

وتُطرح هذه القضية أمام المحكمة ضمن ما يُعرف بملف "الطوارئ" أو "ملف الظل"، وهي إجراءات مستعجلة تُقدم قبل استكمال المسار القانوني الطبيعي في المحاكم الأدنى.

ويؤكد معارضو هذا الأسلوب أن تدخل المحكمة العليا في هذه المرحلة المبكرة قد يفتقر إلى التوازن، نظرًا لعدم تطور الحجج القانونية بشكل كامل.

وكانت المحكمة قد استخدمت هذا الأسلوب في السنوات الأخيرة لتجميد سياسات حكومية بارزة، مثل خطة "الجار الصالح" البيئية، وفرض لقاحات كورونا على العاملين في القطاع الصحي.

وتأتي هذه المرافعات في سياق سلسلة من القضايا التي تسعى فيها إدارة ترامب لإعادة تشكيل سياسات الهجرة الأميركية، وتشمل أيضًا إنهاء الإفراج المشروط الإنساني لأكثر من 500 ألف شخص من كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا، وسحب الحماية القانونية المؤقتة من مئات آلاف الفنزويليين الآخرين.

وتخوض الإدارة كذلك معارك قانونية لترحيل المشتبه في انتمائهم لعصابات إجرامية إلى السلفادور، باستخدام قانون من القرن الثامن عشر يُعرف باسم "قانون الأعداء الأجانب".

م.ال

اضف تعليق