في ظل التحولات المتسارعة في طبيعة الحروب والتحديات الأمنية التي تشهدها المنطقة، تتسارع في العراق الجهود الرامية إلى توطين صناعة الطائرات المسيرة، في خطوة لا تقتصر على تعزيز القدرات الدفاعية ومراقبة الحدود فحسب، بل تمثل توجهاً استراتيجياً لإحياء الصناعة الوطنية وتوظيف الطاقات البشرية العراقية في مجالات تكنولوجية متقدمة.
وكانت هيئة التصنيع الحربي أعلنت العام الماضي تدشين صناعة أول طائرة مسيرة استطلاعية محلية، وأجريت لها تجربة ناجحة بحضور عدد من القيادات الأمنية والعسكرية، بينهم قائد قوات الحدود ورئيس الهيئة، في ما عُد مؤشراً على انطلاق مسار جاد نحو تطوير القدرات الدفاعية الذاتية.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني العميد مقداد ميري، فإن التجربة هدفت إلى دعم قوات الحدود بالتقنيات الحديثة، ورفع الجاهزية والقدرات في عمليات الرصد والاستطلاع، مضيفاً أن الطائرة أظهرت أداءً ميدانياً جيداً على مستوى المدى ودقة التصوير والتحليل الفوري، مما يفتح آفاقاً واسعة أمام العراق لتعزيز مراقبته لحدوده الشاسعة، لاسيما في المناطق التي تشهد خروقات متكررة.في السياق ذاته، وصف النائب السابق وعضو لجنة الأمن والدفاع عباس سروط هذه الخطوة بأنها تمثل "فرصة تاريخية" للعراق للدخول في ميدان صناعات الدفاع الجوي. وقال إن العالم يشهد تحولاً نوعياً في أساليب إدارة المعارك، وإن الطائرات المسيّرة أصبحت عنصراً حاسماً بفعل دقتها وتكلفتها المنخفضة مقارنة بالأنظمة التقليدية، مضيفاً أن امتلاك العراق لمخزون كبير من الكفاءات الهندسية والبحثية يمثل قاعدة صلبة لبناء هذا النوع من الصناعات، شرط أن يُتاح الدعم السياسي والمادي والتشريعي المناسب.
بدوره، أكد المحلل العسكري اللواء المتقاعد علي حسين أن الطائرات المسيّرة تمثل مستقبل المعارك غير المتكافئة، كونها تتيح للدول محدودة الإمكانيات تعويض النقص العددي والتقني في الجيوش، مع تقليل الخسائر البشرية.
وأوضح أن استخدامات الطائرات المسيّرة أصبحت متعددة وتشمل الاستطلاع، ودعم العمليات العسكرية، ومراقبة التحركات الإرهابية، وحماية المنشآت الحساسة، والمساعدة في إدارة الكوارث والحرائق، فضلاً عن تطبيقات مدنية في مجالات الزراعة والتخطيط العمراني.
ويجمع مراقبون ومحللون على، أن الاستثمار الحقيقي في هذا القطاع يبدأ من الاستثمار في العقول، فالكوادر العراقية، بحسب ما أثبتته تجارب سابقة، تتمتع بكفاءة عالية في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي والفيزياء والاتصالات، وهي التخصصات التي تشكل العمود الفقري لأي مشروع متكامل لإنتاج المسيرات.
ويبدو أن الظروف الإقليمية المتوترة، إلى جانب تزايد التحديات الأمنية، تدفع العراق أكثر نحو تسريع هذا المسار، في محاولة لتعزيز سيادته الدفاعية عبر الصناعة الوطنية.
م.ال
اضف تعليق