تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا حالة من التوتر الأمني المتصاعد، في أعقاب اشتباكات دامية بين فصائل محلية درزية ومجموعات بدوية مسلحة، أسفرت عن مقتل العشرات, وعلى الرغم من الأبعاد الطائفية الظاهرة، إلا أن ما يجري في السويداء يعكس صراعًا أعمق يرتبط بطبيعة السلطة في سوريا، ومحاولات الحكومة المركزية بسط نفوذها على مناطق خارجة عن سيطرتها.

أبعاد الصراع.. الطائفية كواجهة لا كجوهر

ترى دارين خليفة، المستشارة الأولى لتعزيز الحوار في مجموعة الأزمات الدولية، أن الطائفية هي عنصر حقيقي في المشهد السوري، لكنها ليست التفسير الوحيد لما يحدث. إذ إن الصراع في جوهره يتمحور حول التوازن بين سلطة مركزية تحاول احتكار القوة، ومجتمعات محلية تسعى للاحتفاظ بقدر من الحكم الذاتي والدفاع الذاتي، كما هو الحال في السويداء.

ضعف الدولة وفقدان السيطرة

بعد سبعة أشهر فقط على سقوط نظام بشار الأسد، تسعى الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع لإعادة تشكيل قبضتها على البلاد من خلال مسارين متوازيين: تحسين العلاقات الدولية لتخفيف العقوبات الاقتصادية، ودمج الفصائل المسلحة ضمن بنية الدولة. غير أن هذا المشروع يواجه تحديات كبيرة في مناطق مثل الجنوب السوري، حيث تُظهر الأحداث الأخيرة في السويداء مدى هشاشة الاستقرار وغياب السيطرة الفعلية.

المجتمع المحلي بين الخوف والرفض

تعبّر المجتمعات المحلية، ولا سيما الدروز، عن قلق متزايد من سلوك الفصائل المرتبطة بالحكومة، والتي يُنظر إليها على أنها ترتكب انتهاكات بحق المدنيين تحت غطاء رسمي. هذا يُعمّق فقدان الثقة بالحكومة، ويُعيد إلى الواجهة خطاب الحماية الذاتية والانفصال السياسي.

إلى أين تتجه السويداء؟

يشير استمرار التوتر، رغم وقف إطلاق النار المعلن، إلى غياب حل سياسي حقيقي يعالج المخاوف الأمنية والاجتماعية لتلك المجتمعات. ومع بقاء مناطق مثل السويداء خارج السيطرة الفعلية للدولة، يبقى الاستقرار هشًا، ما لم تُبادر الحكومة إلى فتح قنوات تفاوض حقيقية مع الفاعلين المحليين.

السويداء تمثل نموذجًا مصغرًا للصراع السوري المركب، حيث تتداخل الطائفية مع السياسة، والأمن مع الاقتصاد، والمحلي مع الإقليمي. إن تجاهل هذه الأبعاد سيؤدي إلى تكرار الانفجارات الأمنية في مناطق أخرى من البلاد، ويقوّض أي أمل في بناء دولة سورية جامعة.

 

وكالات

 

س ع

 

 

 



اضف تعليق