وكالة النبأ - ملف خاص
في حادثة مأساوية أدمت قلوب العراقيين، اندلع حريق ضخم، مساء الأربعاء، داخل مبنى "هايبر ماركت الكورنيش" المؤلف من خمسة طوابق وسط مدينة الكوت، مركز محافظة واسط، مخلفًا أكثر من ستين قتيلًا وعشرات الجرحى، في واحدة من أسوأ الكوارث المدنية التي عرفتها البلاد خلال الأعوام الأخيرة.
كارثة من الطابق الخامس.. ماذا حدث؟
وقع الحريق بعد أقل من أسبوع على افتتاح المبنى التجاري، وفق ما أفادت مصادر رسمية وشهود عيان.
وتشير المعلومات الأولية إلى أن تماسًا كهربائيًا في الطابق العلوي كان سبب اندلاع النيران، التي سرعان ما انتشرت بسبب غياب منظومات الإطفاء ومخارج الطوارئ.
وقالت وزارة الداخلية العراقية إن الحادث أسفر عن 61 شهيدًا، بينهم 14 جثة متفحمة لم يتم التعرف عليها بعد، إلى جانب أكثر من 40 مصابًا، أغلبهم اختنقوا نتيجة الدخان الكثيف، خاصة داخل الحمامات والممرات الضيقة.
رد حكومي عاجل.. لجنة تحقيق وأوامر مباشرة
في استجابة سريعة، وجّه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة تحقيق عليا، وأوعز لوزير الداخلية بالتوجه فورًا إلى موقع الحادث.
وقال بيان رسمي، إن السوداني شدد على ضرورة "كشف أوجه التقصير، ومحاسبة المتسببين، واتخاذ إجراءات حازمة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث".
كما أرسل فريقاً طبياً لدعم المستشفيات المحلية في استقبال المصابين.
من جانبها، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية أنها بدأت التحقيق في الحادثة، مشيرة إلى "وجود مخالفات جسيمة أبرزها غياب منظومة إطفاء متكاملة وانعدام ممرات الطوارئ، مع تقصير واضح من فرق الدفاع المدني خلال عملية الترخيص والافتتاح".
دولياً.. دعم أممي وتعاطف إقليمي
عبّر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، محمد الحسّان، عن "عميق الحزن والتضامن"، مؤكداً "الاستعداد الكامل لتقديم الدعم الفني واللوجستي لمساعدة الجهات المختصة في كشف الحقائق وتقديم المقصرين للعدالة".
كذلك قدمت السفارة الأمريكية في بغداد تعازيها، وأعربت عن تضامنها مع الشعب العراقي. وأعلنت حكومة إقليم كردستان استعدادها لاستقبال الحالات الحرجة من المصابين وتقديم الدعم الطبي اللازم.
غضب شعبي واستياء واسع
في شوارع الكوت، عبّر المواطنون عن سخطهم مما وصفوه بـ"تكرار الإهمال المؤسسي"، مطالبين بـ"تحقيق شفاف ومحاسبة فعلية للمسؤولين".
وانتقد كثيرون تأخر فرق الإطفاء، وسوء تجهيزها، مؤكدين أن "كارثة بهذا الحجم لم تكن لتقع لو توفرت أبسط معايير السلامة".
الصدر: الفساد والإهمال السبب
وقال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إن الفاجعة "نتاج مباشر للفساد والإهمال"، داعيًا إلى محاسبة جميع المتورطين، مهما كانت مناصبهم. وأوعز الصدر بإرسال وفد خاص إلى الكوت لتقديم الدعم والمواساة لذوي الضحايا.
تحقيق قضائي وشبهات ترخيص
وأعلن مجلس القضاء الأعلى فتح تحقيق عاجل، موجهاً محكمة استئناف واسط بـ"اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لكشف الملابسات".
كما أكدت وزارة الداخلية التزامها بـ"الشفافية الكاملة" في كشف نتائج التحقيق.
وفي السياق ذاته، نفت وزارة التجارة علاقتها بالمبنى المحترق، مؤكدة أنه "لا يمت بصلة لسلسلة تعاون هايبر ماركت" التابعة لها، محذرة من تداول أخبار قد تضر بمؤسسات عامة أخرى.
وأوضحت مديرية الدفاع المدني، أن فرقها أنقذت أكثر من 45 شخصًا، واستخدمت معدات خاصة مثل عجلات "السنوركل" للوصول إلى الطوابق العليا، لكن مراقبين أشاروا إلى "ضعف الجاهزية ونقص التجهيزات"، خاصة مع افتقار المبنى إلى مخارج طوارئ أو خطة إخلاء واضحة.
وأعاد الحريق المأساوي في الكوت تسليط الضوء على أزمة السلامة العامة والرقابة في العراق. حوادث مشابهة، مثل حريق مستشفى الحسين في الناصرية عام 2021، لم تُفضِ إلى تغييرات جوهرية، مما يثير القلق بشأن مصير التحقيقات الحالية.
في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: هل تكون هذه الفاجعة بداية إصلاح حقيقي في معايير السلامة، أم أنها ستُطوى كما طُويت غيرها من الكوارث؟
م.ال
اضف تعليق