أنور مؤيد

يعيش العراق منذ عام 2003 في حالة انتقالية معقدة، تتأرجح بين إرث الاستبداد وما خلّفه من بنى سلطوية، وبين متطلبات بناء نظام ديمقراطي حديث قائم على سيادة القانون.

كان التدخل الأميركي محطة فاصلة في تاريخه السياسي، لكنه لم يقدم بوصفه مشروعاً متكاملاً لبناء الدولة، بقدر ما كان عملية لتغيير النظام الحاكم، هذا الفراغ البنيوي أنتج تحديات متراكبة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، وحول التحديات السياسية والقانونية هناك إرث استبدادي ما زال يلقي بظلاله على مؤسسات الدولة ويؤثر على الثقافة السياسية العامة.

أما على مستوى ضعف سيادة القانون فان تعدد مراكز النفوذ الخارجة عن سيطرة الدولة أضعف هيبة المؤسسات وأفقدها القدرة على فرض سلطتها.

وفيما يتعلق بغياب الاستقرار الداخلي سمح ذلك بتغلغل الفاعلين الخارجيين، حتى باتت بعض القرارات السياسية انعكاساً لصراعات إقليمية ودولية.

فيما نتج عن ذلك كله غياب المشروع الوطني الذي يتضح من خلاله افتقار النخب الحاكمة لرؤية جامعة جعل الانقسام الطائفي والقومي سمة بنيوية للنظام.

أما على مستوى التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فلا زال الاعتماد المفرط على النفط يهيمن على الاقتصاد العراقي الذي ما زال رهينة الريع النفطي، ما يجعله هشاً أمام تقلبات الأسواق.

ومن تداعيات ذلك أيضا فشل البنية التحتية والخدمات بسبب ضعف الاستثمار الحكومي والفساد وهي عوامل تحول دون تطوير قطاع الخدمات، وهو ما عمّق فجوة الثقة بين المواطن والدولة.

من جانب آخر نجد أوضاع الأقليات والنازحين حيث لازال استمرار معاناة الأقليات، مثل الإيزيديين، والنازحين يعكس ضعف الدولة في معالجة الملفات الإنسانية الحساسة.

التعايش المجتمعي من جانب آخر بقي يشكل تحديا أكبر أمام الحفاظ على التنوع العراقي وتحويله إلى مصدر قوة بدلاً من أن يكون عامل انقسام.

أما الحديث عن الانتخابات فانها تشكل أداة دستورية أساسية لإعادة إنتاج السلطة وتأكيد الشرعية الديمقراطية، غير أن التجارب السابقة أظهرت عدداً من الإشكالات البنيوية: فلا زالت الثغرات القانونية ضاربة بجذور العملية السياسية فالقوانين الانتخابية تشهد تعديلات متكررة، غالباً ما تخدم القوى المهيمنة.

أما على مستوى ضعف الثقة الشعبية فنرى تراجع إقبال الناخبين، خصوصاً الشباب، نتيجة غياب الأثر الملموس للتغيير عبر صناديق الاقتراع.

المال السياسي والتأثير الخارجي أيضا شكلا تهديداً مباشراً لنزاهة العملية الانتخابية.

من جهتها لا زالت مفوضية الانتخابات محدودة الاستقلالية محدودية وبحاجة ملحة إلى تعزيز شفافيتها عبر ضمانات تشريعية ومؤسسية.

الرؤية المستقبلية

العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق مصيري:

السيناريو الأول: استمرار النظام القائم على المحاصصة والاعتماد على النفط، وهو ما يعني بقاء الدولة في دائرة الأزمات البنيوية.

السيناريو الثاني: إطلاق مشروع وطني شامل يرتكز على ثلاثة محاور رئيسية مثل إصلاح سياسي يعزز سيادة القانون ويقوي مؤسسات الدولة، وتنويع اقتصادي يقلل من التبعية للنفط ويستثمر في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة المتجددة، ووجود استراتيجية للتعايش المجتمعي تعالج قضايا الأقليات والنازحين وتعيد الاعتبار للهوية الوطنية الجامعة.

استحقاقات انتخابات 2025

الانتخابات المقبلة ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة العراق على كسر الحلقة المفرغة من الأزمات، غير أن نجاحها يتطلب إرادة سياسية جادة، وإصلاحات قانونية ومؤسسية، ودعماً دولياً متوازنا لا يتعارض مع السيادة الوطنية.

أي ان تأخير في تبني مشروع إصلاحي متكامل قد يجعل من التحديات – من المناخ والاقتصاد إلى الهوية والسياسة – تهديداً وجودياً للدولة العراقية.

 

 

س ع


اضف تعليق