يعد دعم رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة بمثابة مقامرة قد يستعيد بها تأييد حلفاء في الخارج ويصلح ما فسد من شعبيته السياسية في الداخل، لكنه يجازف بالدخول في مواجهة مع شركائه في الائتلاف الحاكم الذين يعارضون أي إشارة إلى قيام دولة فلسطينية.
صور نتنياهو الخطة على أنها جهد مشترك يحقق أهداف الحكومة الصهيونية بينما يحول سهام الانتقادات الدولية بسبب الحرب في غزة صوب حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) التي يتعين عليها الآن الاختيار بين قبولها أو مواجهة حصار مستمر.
وقد تعزز الخطوة شعبية نتنياهو داخل إسرائيل من خلال إنهاء الحرب التي يتزايد الاستياء منها والإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس، مما يعزز فرصه في الانتخابات المزمعة في غضون عام.
لكن من المرجح أن تؤدي الإشارة إلى دولة فلسطينية في الخطة إلى غضب شركاء في حكومة نتنياهو الإتتلافية، الأكثر يمينية في تاريخ الكيان الصهيوني ، والتي يتمتع فيها السياسيان المنتميان لليمين المتطرف إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش بنفوذ كبير.
الخطة تضع كل الضغوط على حماس ولا تطلب الكثير من الكيان
وصف نداف شتروخلر، وهو مستشار سابق لنتنياهو، الاتفاق بأنه “مكسب من كل النواحي” لرئيس الوزراء، قائلا إنه يلقي كل الضغوط على حماس ويخفف من الانتقادات الدولية للكيان الصهيوني ويترك منتقدي الائتلاف دون أي خيار بديل.
وقال “بالنسبة له هي مثل حركة كش ملك في لعبة الشطرنج، إنها خطوة حاسمة” قد تسمح لنتنياهو بدخول الانتخابات المقبلة وقد تم إطلاق سراح الرهائن، واستُؤنفت مساعي الكيان لتوسيع العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، وهو المسار الذي تعرقل بسبب الحرب في غزة.
ولا يلزم اقتراح ترامب، الذي سرعان ما أيده قادة بالعالمين العربي والإسلامي، الكيان بالكثير في الأجل القصير.
بل يضع في المقابل كل الضغوط على حماس، مطالبا إياها بإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين وتسليم أسلحتها كشرط مسبق لإنهاء حصار إسرائيل لغزة.
وسيبقى الجيش الصهيوني في غزة ولن ينسحب إلى مواقعه على امتداد الحدود إلا بعد تولي قوة دولية السيطرة. ويوم الثلاثاء قال نتنياهو، الذي يصر على ضرورة احتفاظ الكيان الصهيوني بالسيطرة الأمنية الشاملة بعد الحرب، إن الجيش سيبقى في معظم أنحاء غزة، لكنه لم يقدم أي جدول زمني.
شريك في الائتلاف: الخطة “أوهام سياسية”
في منشور طويل على موقع إكس يوم الثلاثاء، ندد سموتريتش، الذي دعا علنا إلى استمرار الحملة الصهيونية على غزة، بخطة ترامب معتبرا أنها تستبدل “الإنجازات الحقيقية على الأرض بأوهام سياسية”.
ويشغل حزبه (الصهيونية الدينية) سبعة مقاعد من مقاعد الكنيست البالغ عددها 120، وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أنه سيجد صعوبة في الفوز بأي مقعد إذا ما أجريت الانتخابات الآن.
وفقدت الحرب على غزة، التي شنتها إسرائيل ردا على هجوم حماس المباغت في أكتوبر تشرين الأول 2023، كثيرا من التأييد الشعبي. وأظهر استطلاع للرأي نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، ومقره القدس، يوم الثلاثاء أن 66 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن الوقت حان لإنهاء الحرب، بينهم 48.5 بالمئة من تيار اليمين.
وقال عيران ليرمان، وهو نائب سابق لمستشار الأمن القومي، إن نتنياهو يعلم أن قبول حماس بخطة ترامب قد يؤدي إلى تفتت ائتلافه الحاكم، لكنه ربما لا يزال يأمل في أن يتمكن من مواجهة الناخبين “بمنظور مختلف تماما لما حدث خلال العامين الماضيين” عما يمكنه تقديمه اليوم.
وأضاف ليرمان الذي يشغل منصب نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، وهو مؤسسة بحثية “لست متأكدا من صحة ذلك، ولكن كما تعلمون، من السهل إغراء السياسيين بتصديق الأشياء التي تنسجم مع طموحاتهم”.
ودعت المعارضة الصهيونية ، المؤلفة من أحزاب من اليمين والوسط واليسار، إلى وضع حد للحرب وكثيرا ما تنتقد سموتريتش وبن جفير، وهو وزير آخر من اليمين المتطرف يتمتع بنفوذ كبير في الائتلاف الحاكم. كما أن العديد من أحزاب المعارضة استبعدت الانضمام في المستقبل إلى ائتلاف مع حلفاء نتنياهو من المتزمتين دينيا بسبب رفضهم الخدمة العسكرية.
وقال مصدر مطلع إن نتنياهو لن يعرض خطة ترامب المكونة من 20 نقطة على الحكومة لتوافق عليها وسيطلب بدلا من ذلك من الوزراء التصويت فقط على البنود المتعلقة بإطلاق سراح الرهائن. وستفرج إسرائيل عن مئات السجناء الفلسطينيين في المقابل.
وحذر الدبلوماسي الصهيوني السابق ألون بينكاس من أن نتنياهو سيطيل على الأرجح أمد المفاوضات حول القضايا التي لا تزال ملتبسة، مثل انسحاب الجيش الصهيوني ، بهدف النجاة سياسيا وتقويض خطة ترامب.
بالنسبة لنتنياهو.. التحالفات العربية قد تطغى على غضب اليمين الصهيوني
يزداد تعرض الكيان الصهيوني لعزلة دولية بسبب الحرب المستمرة منذ ما يقرب من عامين في غزة. واعترف بعض من أقرب حلفائها رسميا بدولة فلسطينية هذا الشهر رغم اعتراضها، وفرض آخرون أيضا عقوبات على وزراء كبار في الحكومة وحظرا على تصدير أسلحة إليها.
أما حماس، فليس لديها تأثير دبلوماسي يذكر. وليس أمامها إلا القبول بالشروط أو محاولة التفاوض، لكن ذلك قد يعني تطبيق الخطة في المناطق التي لم تعد تسيطر عليها في الوقت الذي يمنح فيه ترامب الكيان الضوء الأخضر لمواصلة مهاجمتها.
وقال مصدر مطلع إن نتنياهو ضغط من أجل حذف إشارة في خطة ترامب إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو ما قال إنه لن يحدث أبدا.
ولا تضع الخطة مسارا واضحا لإقامة دولة فلسطينية وإنما تنص على أنه مع إعادة إعمار غزة وبمجرد أن “يتم بإخلاص تنفيذ” برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، فإن الظروف “قد تصبح أخيرا مهيأة لمسار موثوق لتقرير الفلسطينيين مصيرهم وإقامة دولة فلسطينية، وهو ما نقر بأنه ما يصبو إليه الشعب الفلسطيني”.
ومن المرجح أن تثير هذه اللغة غضب عدد من حلفاء نتنياهو اليمينيين في الحكومة الائتلافية، الذين حذروا علنا قبل اجتماعه مع ترامب من أي ذكر لدولة فلسطينية.
لكن نتنياهو قال، وهو يقف إلى جانب ترامب، إن الخطة ترسي الأساس لدفع عجلة السلام في المنطقة وخارجها بشكل كبير، مما يشير إلى طموحات الزعيمين في توسيع العلاقات بين الكيان والدول الإسلامية التي لا تزال لا تعترف بها.
وقال نيف جوردون الباحث الصهيوني في جامعة كوين ماري في لندن إن نتنياهو يعتقد على الأرجح أنه قادر على الفوز في الانتخابات المقبلة والمقرر إجراؤها بحلول أكتوبر تشرين الأول 2026 إذا كانت لديه خطة لتطبيع العلاقات مع المزيد من الدول العربية والإسلامية.
لكنه حذر من احتمال تراجع نتنياهو لاحقا عن خطة ترامب وإلقائه مسؤولية ذلك على حماس. وأشار الباحث إلى أن هذا تكتيك استخدمه نتنياهو من قبل ويمكن أن يعزز مكانته السياسية.
وكالات
س ع
اضف تعليق