دخلت أزمة الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة مرحلة أكثر تصعيداً، بعدما هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب خصومه الديمقراطيين بإطلاق يد رئيس الموازنة في البيت الأبيض راسل فوت، الذي صوره في مقطع فيديو نشره عبر منصته «تروث سوشيال» على هيئة «ملاك الموت» يرتدي عباءة سوداء ويحمل منجلاً، في إشارة رمزية إلى مهمته المقبلة في «القضاء» على البرامج والوكالات الفيدرالية التي يدعمها الديمقراطيون.

يُعد راسل فوت أحد أبرز الوجوه في إدارة ترمب الثانية، ويعرف بين الجمهوريين المتشددين بأنه «مهندس التقشف» الذي يسعى إلى تقليص حجم الحكومة الفيدرالية إلى الحد الأدنى.

ويستغل فوت الإغلاق الحكومي الحالي للعمل في منطقة قانونية رمادية تتيح له وقف التمويل عن الوكالات والبرامج التي لا تنسجم مع الأجندة الجمهورية، وفق ما ذكرته تقارير أميركية.

وفوت ليس اسماً جديداً في دوائر صنع القرار المحافظ، فهو أحد العقول التي شاركت في إعداد وثيقة «مشروع 2025»، التي صاغتها مؤسسة «هيريتج» اليمينية، وتعدّ بمثابة خريطة طريق لإدارة ترمب الثانية، متضمنة مقترحات لتوسيع صلاحيات الرئيس، وتشديد سياسات الهجرة، وفرض حظر وطني على الإجهاض، وتقليص الإدارات الفيدرالية.

ومنذ الخميس الماضي، بدأ فوت بتنفيذ سلسلة قرارات مثيرة للجدل، شملت وقف تمويل بقيمة 2.1 مليار دولار لمشاريع البنية التحتية في شيكاغو، ثم أعلن الأربعاء إلغاء مشاريع للطاقة النظيفة تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار في 16 ولاية ديمقراطية، إضافة إلى تعليق تمويل مشروعات ضخمة في نيويورك.

ويبرر فوت هذه الخطوات بأنها تهدف إلى «منع هدر أموال دافعي الضرائب في برامج قائمة على مفاهيم التنوع والعدالة والشمول»، وهي المبادئ التي يتبناها الديمقراطيون ويرفضها الجمهوريون بوصفها امتداداً لأجندة «اليسار المتطرف».

وتشير التقارير إلى، أن فوت أرسل في وقت سابق مذكرة إلى مديري الوكالات الفيدرالية طالبهم فيها بتقديم خطط لتسريح جماعي لموظفين في برامج لا تتوافق مع أولويات ترمب، ما أثار مخاوف من موجة فصل واسعة النطاق قد تطاول مئات الآلاف من العاملين في القطاع العام إذا طال أمد الإغلاق.

ويرى مراقبون، أن ترمب يستخدم فوت كسلاح ضغط سياسي لإجبار الديمقراطيين على القبول بمشروع الموازنة الذي أعدته إدارته وإعادة فتح الحكومة، بينما حذر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الجمهوري جون ثيون قائلاً: «لا أحد يسيطر على ما سيفعله راسل فوت، وهذه هي خطورة الإغلاق وتسليم المفاتيح له».

في المقابل، يتمسك الديمقراطيون بموقفهم الرافض لتمرير الموازنة من دون إدراج مخصصات إضافية للرعاية الصحية، ما أبقى الإغلاق الحكومي مستمراً للأسبوع الثاني على التوالي.

ويُتوقع أن يؤدي هذا الشلل إلى تعطيل أغلب الأنشطة الحكومية غير الأساسية، وإجبار نحو 750 ألف موظف على إجازات إجبارية حتى التوصل إلى اتفاق بين الحزبين.

وقدّر خبراء الاقتصاد تكلفة الإغلاق بما بين 7 و15 مليار دولار أسبوعياً، بينما أعلنت إدارة الموازنة في البيت الأبيض عن خفوض بقيمة 27 مليار دولار في برامج النقل والطاقة.

ومع استمرار الجمود السياسي في واشنطن، يجد ترمب في هذه الأزمة فرصة لتثبيت رؤيته حول "حكومة أصغر وأكثر كفاءة"، فيما يرى خصومه أن إطلاق يد راسل فوت يمثل «إرهاباً بيروقراطياً» يهدد بنسف التوازن المؤسسي الأميركي.

وبين «ملاك الموت» وسياسات التقشف الرئاسية، تبقى مؤسسات الدولة الأميركية رهينة صراع حزبي تتجاوز أصداؤه حدود الموازنة إلى مستقبل النظام الفيدرالي نفسه.


م.ال

اضف تعليق