{ }

يحتكر لاعبون قليلون مجال البنية التحتية التكنولوجية، من ربط شبكات العالم بالألياف البصرية تحت البحر، وشبكات الجيل الخامس اللاسلكية، ومراكز تخزين البيانات وأنظمة الملاحة بالأقمار الصناعية. وتتبع هذه الشركات للولايات المتحدة الأمريكية أو لدول حليفة لها في الأغلب.

تُستخدم أسلاك الألياف البصرية تحت البحرية لربط دول العالم ببعضها عبر المحيطات، فهي وسيلة نقل المعلومات والبيانات بين الدول والقارات، وربط شبكاتها اللاسلكية ببعضها البعض، بينما تعتبر شبكات الجيل الخامس اللاسلكية أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لربط شبكة الخلوية ببعضها البعض لا سلكيًا، رافعة سرعة نقل البيانات في الشبكة إلى مستويات غير معهودة.

تقدم هذه البنى التحتية نظامًا متكاملًا؛ يبدأ بنقل البيانات والمعلومات بين القارات بشبكة سلكية مكونة من الألياف البصرية، ثم نقل لا سلكي عن طريق الشبكات الخلوية داخل كل بلد أو منطقة، وتبنى معها مراكز لتخزين البيانات، ويضاف إلى النظام المسؤول عن نقل وتخزين البيانات، أنظمة الملاحة عن طريق الأقمار الصناعية، مثل نظام "GPS" المملوك للولايات المتحدة الأمريكية.

مشروع طريق الحرير الرقمي ليس مجرد مشروع بنى تحتية عادي، بل هو حل سياسي للصين للخروج من خطر المركزية الأمريكية في النظام الرقمي العالمي، وبناء مركزية للصين في المجال، تكسر الاحتكار الغربي عمومًا، والأمريكي خصوصًا، لكي لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية محاصرة الصين تكنولوجيًا إذا ما قررت في يوم من الأيام ذلك.

فبينما تتمتع شركات أمريكية بامتيازات احتكارية للبنى التحتية في العالم، ترغب الصين بإحلال عمالقة التكنولوجيا الصينيين، مثل "هواوي" و"علي بابا" محل شركات "أمازون" و"مايكروسوفت" و"فيسبوك"، التي تمتلك أو تؤجر وحدها أكثر من نصف أسلاك الألياف البصرية تحت المحيطات، وتنقل هذه الأسلاك 98% من بيانات الإنترنت في العالم.

وتخشى الصين أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تسعى إلى محاولة إيقاف الصعود الصيني، وفي حال عدم قدرة الصين على كسر كل الاحتكارات التكنولوجية الغربية، فستكون مهمة الولايات المتحدة الأمريكية أسهل كثيرًا، ففي حال قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات على من يبيع التكنولوجيا الأكثر تطورًا "Cutting-Edge Tecnologies" للصين، قبل تمكن الصين من صناعة هذه التكنولوجيا محليًا، فإن مسيرة الصعود الصيني قد تمنى بفشل كبير، أو تضطر إلى تقديم تنازلات ضخمة للولايات المتحدة الأمريكية مقابل هذه التكنولوجيا.

لذلك تسعى الصين إلى كسر الامتيازات الاحتكارية الأمريكية في هذه المجالات، حتى ولو كانت احتمالية مثل هذه العقوبات ضعيفة، فإن الصين لن تحتمل استمرار الاعتماد على التكنولوجيا الغربية يمكن قطعها بالعقوبات والحرب الاقتصادية لاحقًا.

أعلنت الصين عن مشروع طريق الحرير الرقمي عام 2015 جزءًا من سياستها الخارجية ضمن مشروع الطريق والحزام، وبدعم حكومي وتنفيذ من قبل عمالقة التكنولوجيا الصينيين؛ حتى وإن لم يكونوا مملوكين للدولة، في تبادل للمصالح بين الحكومة الصينية وقطاعها الخاص.

وحتى الآن وقّعت الصين رسميًا اتفاقيات لتقديم استثمارات متعلقة بمشروع طريق الحرير الرقمي لـ60 دولة، ويُرجح أنّ هناك دولًا أخرى وقعت اتفاقيات دون الإعلان عنها، وقد أنفقت الصين على هذه المشاريع مبلغًا يقدّر بـ79 مليار دولار حتى عام 2018، ويتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 200 مليار دولار، موزعة على استثمارات حول العالم، تضم دولًا منافسة للصين، مثل الهند، وأخرى شهدت معارضة للمشاريع الصينية فيما سبق مثل ماليزيا.

تقضي الخطة النهائية بأن تقطع أسلاك الألياف البصرية البحر الأحمر مرورًا بقناة السويس، لتصل إلى أوروبا، وتتفرع أيضًا إلى شرق أفريقيا، ومن ثم ربط أمريكا الجنوبية بغرب أفريقيا، لتصبح القارات الأربع: آسيا انطلاقًا من الصين، وأوروبا عن طريق الشرق الأوسط، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية متصلة جميعها، باستخدام خطوط لا تملكها الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تسيطر عليها أي من شركاتها أو حلفائها.

في حين أن شركة "هواوي" تسعى لفوز سباق شبكات الجيل الخامس "5G" في العالم، في استكمال للنهج الصيني الرقمي في العالم، وتكامل مع شبكات أسلاك الألياف البصرية الرابطة للقارات، ومع أنها واجهت حربًا أمريكية في سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن هواوي ما تزال تفوز في السباق، فهي المزود الأساسي للشبكات في أمريكا اللاتينية، وفي أغلب أفريقيا وآسيا، وتحقق اختراقات مهمة في أوروبا أيضًا؛ وكل ذلك رغم الحرب الأمريكية ضد شركة "هواوي".

وبطبيعة الحال فإن استخدام البنى التحتية الصينية، والقبول بالخدمات المقدمة من عمالقة التكنولوجيا الصينيين، يعني توفير موطئ قدم للصين في تلك الدول مستقبلًا، فتشييد شبكات الجيل الخامس في بلد ما يعني استمرار وجود "هواوي" في ذلك البلد لصيانة الشبكة باستمرار، ولتحديثه لأجيال أخرى لاحقًا، وذلك ينطبق أيضًا على أسلاك الألياف البصرية؛ ما يعني حصة سوقية دائمة للصين وشركاتها، وتغلغلًا صينيًا في مجالات تكنولوجيا المعلومات وأمنها، بما في ذلك الجوانب الدفاعية السيادية للدول؛ لكون الصين المزود الأساسي للخدمة والبنى التحتية..

اضف تعليق