يعاني المواطنون من غلاء معيشي في مختلف المجالات وبالأخص المواد الغذائية، فبعد أن ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء إلى مستويات غير مسبوقة، باتت أسعار اللحوم البيضاء هي الأخرى ليست في متناول الجميع، وخاصة الأسماك بعد حملة ردم المئات من البحيرات من قبل وزارة الموارد المائية منذ العام الماضي، في محاولة للسيطرة على شح المياه.

ويقول مدير عام دائرة الثروة الحيوانية، وليد محمد رزوقي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “ردم بحيرات الأسماك أدى إلى قلة في المنتوج، وفتح الباب أمام مربو الأسماك لرفع الأسعار، والحكومة لا تستطيع أن تتحكم بالأسعار، مستغلين هذه الحملة”.

ويضيف أن “استيراد الأسماك مسموح به سواء كانت الأسماك الحية أو مجمدة، وحاليا يجري استيراد الأسماك وخصوصا نوع الكارب وغيره، لكن الأكثر مبيعا هو هذا النوع، أما الأسماك العراقية كالشبوط والكطان والبني وغيرها من الاسماك المحلية”.

ويشير رزوقي، إلى “وجود برامج أخرى في الثروة الحيوانية، ومنها إطلاق أصبعيات الأسماك بالإضافة إلى اليرقات، حيث سوف يتم إطلاقها في المسطحات المائية، حيث تم إطلاق الملايين من هذه الأصبعيات بغية السيطرة على الأسعار”.

يشار إلى أن مديريات وزارة الموارد المائية في بغداد والمحافظات، وبإسناد من القوات الأمنية، بدأت في شهر حزيران يونيو 2023 بحملة واسعة لإزالة بحيرات الأسماك المتجاوزة بهدف تقليل كمية المياه المهدورة، خاصة وأن عدد هذه البحيرات بالمئات.

وكانت وزارة الموارد المائية، أكدت أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت وزارة الموارد المائية للذهاب والاستعانة بالخزين الإستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى أقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.

من جانبه، يوضح رئيس جمعية منتجي الأسماك، أياد الطالبي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أنه “نتيجة حملة الردم الكبيرة التي نفذتها وزارة الموارد المائية لتطبيق القانون وردم البحيرات غير المرخصة والتي تشكل نسبتها أكثر من 75 بالمئة من إنتاج العراق من الأسماك، وبالتالي قلّ العرض وزادت الأسعار لتصل إلى 9000 دينار للكيلوغرام الواحد ومن المحتمل أن يتجاوز سعر الكيلو 10 آلاف دينار، حيث أن الحملة كانت شرسة”.

ويتابع “هذا الموضوع كان بالإمكان وضع دراسة له قبل الشروع بحملة الردم، ونحن بدورنا طالبنا وما زلنا نطالب بإعادة النظر في هذه المشكلة، ودعونا لتشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع من قبل وزارة الموارد المائية”.

ويتساءل الطالبي “هل أسهمت حملة ردم البحيرات بزيادة مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، وما هو الهدف الذي حققته الحملة، كما أن عمليات الردم كان عن طريق تصريف مياه البحيرات في المبازل والتي تذهب بدورها إلى النهر الثالث الذي يصب في مياه الخليج، وقبل أيام تم إطلاق أكثر من سبعة ملايين أصبعية اسماك في المبازل خلال يوم واحد في محافظة بابل، وهذا رقم كبير جدا”.

ويشدد على “ضرورة إعادة النطر في عملية الردم من قبل الحكومة الاتحادية فالحكومة المحلية في محافظه بابل نادت وقامت بالاتصال بوزير الموارد المائية وطلبت منه أن يمهل أصحاب البحيرات إلى شهر تموز يوليو ولكن الوزارة رفضت ذلك”.

الجدير بالذكر، أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد العديد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع نحو سبعة مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ ثمانية مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في ثلاثة مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى كافة، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

من جهته، يبين الخبير الاقتصادي مصطفى فرج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سبب ارتفاع أسعار الأسماك هو إزالة الكثير من البحيرات، وكذلك شح المياه، وطالما أن وزارة الموارد المائية غير مسيطرة على البحيرات والثروة السمكية فمن الممكن أن نخسر الكثير من هذه الثروة وخيراتها”.

ويحذر من أن “الأمور قد تتطور إلى واقع خطير في الأيام المقبلة ونشهد تزايد كبير في الأسعار إذا بقي الحال على ما هو عليه الآن من دون معالجات حقيقية لهذه الأزمة”.

وتعد المحافظات الجنوبية، الأكثر تضررا من هذه البحيرات لكونها تقع في نهايات الأنهر، ما أثر سلبا على الحصص المائية للمحافظات، والتي هي في الأساس قليلة.

وكان مربو الأسماك بناحية السيبة جنوبي البصرة، سجلوا خلال العامين الماضيين نفوق كميات كبيرة من الأسماك في أكثر من 25 بحيرة بسبب ارتفاع اللسان الملحي، فيما كشف متخصصون في حينها أن قراءة نسبة الملوحة بالأنهر المغذية للأحواض تجاوزت (18 ألف T.D.S)، وهي نسبة مميتة ومن المستحيل أن تتم الزراعة فيها، بحسب كلامهم.

ا.ب

اضف تعليق