النبأ: قال الكاتب والباحث الكوردي سردار الهركي إن المشهد السياسي مرّ بعام جديد من دون أي تحوّل حقيقي نحو التغيير أو الإصلاح، مشيرًا إلى أن المشكلة لم تعد تقتصر على غياب الإصلاح، بل تمتد إلى تآكل الأمل بإمكانية تحققه، بعدما تحوّل من مشروع قابل للنقاش إلى مجرد شعار يتكرر ويفقد ضماناته مع مرور الوقت.

وأضاف الهركي، أن الفساد ما زال قائمًا من دون تراجع أو مساءلة حقيقية، في وقت باتت فيه “دولة الحزب” أكثر حضورًا وتأثيرًا من الدولة بمؤسساتها الدستورية، موضحًا أن سيطرة الأحزاب على المدن والمناطق تعكس غياب مفهوم الدولة الواحدة، وتؤكد الابتعاد عن بناء دولة المؤسسات، فضلًا عن العجز عن تحقيق الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي.

وأشار إلى، أن هذا الواقع يتزامن مع توسّع مقلق لتدخل الأجهزة الأمنية في الحياة العامة، حيث تشهد حرية التعبير تراجعًا مستمرًا، وتغدو الإجراءات الأمنية حاضرة في أدق التفاصيل اليومية، إلى درجة أن أبسط المعاملات الإدارية أو المدنية أصبحت مشروطة بسلسلة من الموافقات، وهو ما يعكس خللًا واضحًا في العلاقة بين الأمن والحقوق.

وفي الشأن المعيشي، قال الهركي، إن أزمة الرواتب ما تزال قائمة من دون حلول جذرية، موضحًا أن عدم انتظام صرف الرواتب حوّل نهاية كل شهر إلى هاجس عام لدى الموظفين، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الاستقرار الاجتماعي ويقوّض الثقة بالسياسات المالية للدولة.

وأضاف، أن الانتخابات لم تعد تُنظر إليها كأداة حقيقية للإصلاح، بل أصبحت محطة تتراجع عندها آمال المواطنين تباعًا، مؤكدًا أن كل تجربة انتخابية جديدة تسهم في تآكل الثقة بالمؤسسات والأحزاب، سواء في السلطة أو المعارضة، بسبب غياب البرامج الواقعية وضعف آليات المساءلة الجادة.

وأوضح الهركي، أن تعقيد المشهد يزداد مع استمرار امتلاك بعض الأحزاب لقوى عسكرية منظمة خارج الإطار المهني المحايد للدولة، لافتًا إلى أن وجود جماعات مسلحة ذات ارتباط سياسي يقوّض مبدأ تكافؤ الفرص، ويجعل الحديث عن انتخابات حرة ونزيهة أقرب إلى المفارقة.

وتابع، أن اقتران القوة السياسية بالقوة العسكرية يجعل من المستحيل فصل العملية الانتخابية عن تأثير السلاح، مشيرًا إلى أن أحداثًا وتجارب حديثة أظهرت حجم الضغوط غير المعلنة المفروضة على الإرادة العامة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وأكد، أن غياب حصر السلاح بيد الدولة لا يهدد نزاهة الانتخابات فحسب، بل يفرغ التداول السلمي للسلطة من مضمونه، ويحوّل الديمقراطية من آلية فعلية للتغيير إلى إجراء شكلي لا يعكس بالضرورة الإرادة الحرة للمواطنين ولا يغيّر موازين القوة القائمة.

وفي الجانب الاقتصادي، أشار الهركي إلى الارتفاع المستمر في الرسوم والضرائب والفوائد، التي تُفرض في كثير من الأحيان بتأثير من القطاع الخاص ومن خلال تعليمات إدارية لا تستند إلى تشريع قانوني واضح، معتبرًا أن ذلك يشكّل انتهاكًا صريحًا للدستور، ولا سيما المادة (28) التي تشترط فرض الضرائب والرسوم بقانون.

وأضاف، مستشهدًا بقول منسوب إلى ابن خلدون: "إذا زادت الجباية، دنت نهاية الدولة"، أن هذه المقولة تعبّر مبكرًا عن العلاقة العكسية بين العدالة المالية واستقرار الدول.

وختم الهركي بالتحذير من أن الاستمرار في هذا المسار، من دون مراجعة جادة وشاملة، لا يهدد فرص الإصلاح فحسب، بل يوسّع الفجوة بين الدولة والمجتمع، ويجعل الحديث عن التغيير أقرب إلى أمنية منه إلى مشروع سياسي قابل للتحقق.

اضف تعليق