أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجدل إلى واجهة السياسة الداخلية الأمريكية بإعلانه نشر وحدات من الحرس الوطني في عدد من المدن الخاضعة لإدارة الحزب الديمقراطي، في خطوة وصفها بأنها "ضرورية لاستعادة الأمن والنظام"، بينما اعتبرها خصومه تجاوزاً غير مسبوق لصلاحيات السلطة التنفيذية.
طعون قانونية ومواقف متباينة
القرار، الذي برّره ترامب بالحاجة إلى احتواء أعمال العنف والتصدي للجريمة ودعم حملات ترحيل المهاجرين غير النظاميين، فجّر سلسلة من الطعون القضائية تقدّمت بها حكومات ولايات ومسؤولون محليون رفضوا تدخّل القوات الفيدرالية دون تنسيق مسبق.
ففي ولاية إلينوي، رفعت الحكومة المحلية دعوى قضائية لوقف نشر القوات في مدينة شيكاغو، بينما أصدر قاضٍ فيدرالي في ولاية أوريغون قراراً مؤقتاً يمنع نشر عناصر من الحرس الوطني القادمين من ولايتَي تكساس وكاليفورنيا في مدينة بورتلاند، التي شهدت تظاهرات واسعة احتجاجاً على سياسات الهجرة.
وقال حاكم إلينوي جي بي بريتزكر إنّ الرئيس "يحاول اختلاق أزمة سياسية لأغراض انتخابية"، فيما أكدت حاكمة أوريغون تينا كوتك أن "المدينة لا تواجه تمرداً ولا تهديداً للأمن القومي"، واصفة الإجراء بأنه اعتداء على صلاحيات الولايات.
الحرس الوطني.. بين الصلاحيات الفيدرالية والولايات
ويُعدّ الحرس الوطني الأمريكي قوة مزدوجة الانتماء، إذ تتبع وحداته عادة لحكّام الولايات وتُستدعى لمواجهة الطوارئ والكوارث الطبيعية، غير أنّ القانون يمنح الرئيس صلاحية تحويلها إلى الخدمة الفيدرالية في ظروف استثنائية.
وقد استند ترامب في قراره إلى المادة 12406 من القانون العسكري الأمريكي، التي تمنح الرئيس حق استدعاء قوات الحرس الوطني "إذا وقع تمرد أو خطر يهدد الحكومة الأمريكية"، وهو نص قانوني نادراً ما استخدمه الرؤساء في التاريخ الحديث.
ويرى قانونيون أنّ اللجوء إلى هذا النص يشكّل سابقة خطيرة، إذ قد يفتح الباب أمام استخدام القوات العسكرية لأغراض داخلية تتعارض مع قانون بوسيه كوماتيتوس الذي يقيّد تدخل الجيش في الشؤون المدنية.قرارات قضائية وتداعيات سياسية
القاضية الفيدرالية كارين إيمرغوت، التي عيّنها ترامب خلال ولايته الأولى، أصدرت قرارين متتاليين بوقف العملية مؤقتاً، مؤكدة في نصّ حكمها أن "الولايات المتحدة دولة يحكمها القانون الدستوري لا الأحكام العرفية"، في إشارة واضحة إلى رفض عسكرة التعامل مع الأزمات الداخلية.
من جانبها، دافعت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت عن قرار الرئيس، قائلة إن الإدارة "واثقة تماماً من الأساس القانوني الذي تستند إليه الخطوة، وستنتصر أمام القضاء".
ويرى محللون أن ما يجري يتجاوز البعد الأمني ليعكس صراعاً سياسياً عميقاً بين إدارة ترامب والولايات الديمقراطية، خصوصاً في ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، حيث يسعى الرئيس لإظهار حزمه في مواجهة ما يصفه بـ"الفوضى الليبرالية".انقسام داخلي حول دور الجيش
ويحذّر مراقبون من أن استمرار هذا النهج قد يزيد من الانقسام الداخلي الأمريكي ويقوّض التوازن الدستوري بين السلطات، خصوصاً إذا ما مضت الإدارة في تحويل الحرس الوطني إلى أداة بيد الحكومة الفيدرالية في مواجهة خصومها السياسيين.
في المقابل، يعتقد مؤيدو ترامب أن الخطوة ضرورية لـ"فرض هيبة الدولة" بعد تصاعد الجريمة والاحتجاجات، معتبرين أن معارضي الرئيس "يقدّمون الحسابات الحزبية على أمن المواطنين".
وبين جدل القانون والدستور والسياسة، يبدو أن نشر الحرس الوطني في المدن الأمريكية قد يتحوّل إلى اختبار جديد للنظام الفيدرالي الأمريكي، ويكشف حجم التوتر بين البيت الأبيض والولايات في مرحلة توصف بأنها الأكثر استقطاباً في التاريخ الأمريكي الحديث.
م.ال
اضف تعليق