في زمن أصبح فيه الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي متزايداً، إذ تسجل الآلة حضورها في مجالات متعددة، بما في ذلك توثيق الأحداث والوقائع التاريخية بفضل قدرتها الفائقة على تخزين البيانات الضخمة، يبقى الولوج إلى هذا العالم المعتمد على التكنولوجيا في عملية التأريخ مثيراً للجدل، في ظل تباين وجهات نظر المتخصصين حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق الحيادية والموضوعية عند سرد الأحداث التاريخية.

وفقاً لما أفاد به مؤرخون ومتخصصون في الذكاء الاصطناعي فإنه على رغم أنه يمتلك قدرة فائقة على التحليل وتوفير معلومات دقيقة بسرعة وإمكاناته التقنية متقدمة، فإن هناك تحديات تواجه استخداماته في تزويد الباحثين بالأحداث التاريخية التي يمكن توثيقها. من بين هذه التحديات صعوبة التزام الحيادية، إضافة إلى مخاوف أخرى تتعلق بإمكانية تزويدنا بروايات تاريخية مغلوطة أو مشوهة، مما يقلل من فاعليته كأداة يُطمأن إليها في التوثيق التاريخي.

وتحمل تقنيات الذكاء الاصطناعي جوانب إيجابية يمكن الاستفادة منها في كتابة التاريخ، وفقاً لما ذكره شقرة، إذ تتيح الوصول السريع إلى المواد العلمية والوثائق. ومع ذلك يفتقر الذكاء الاصطناعي إلى "الروح" التي تميز الكتابات التاريخية، إذ تكون كتاباته جامدة وإجرائية، وتخلو من الحس النقدي الذي يمتلكه المؤرخون.

 

وفي مقال للصحافية العلمية مويرا دونوفان، نشر في أبريل (نيسان) 2023 بعنوان "كيف يساعد الذكاء الاصطناعي المؤرخين على فهم ماضينا بصورة فضلى"، أشارت إلى أن مؤرخي الغد يستخدمون علوم الكمبيوتر لتحليل كيفية معيشية الناس قبل قرون مضت. وأضافت أن المؤرخين بدأوا في استخدام هذه التقنيات لفحص الوثائق التاريخية، بما في ذلك الجداول الفلكية التي جرى إنتاجها في مدن مثل فينيسيا. وقد تكون هذه الوثائق قد تعرضت لتلف بسبب مرور الزمن، مثل التأثيرات الناتجة من التخزين في الأرشيفات الرطبة، أو قد تكون مشوهة بسبب أخطاء في الطباعة. لافتة إلى أنه من خلال استخدام تقنيات التعلم الآلي يمكن الآن فحص وتحليل هذه الوثائق بطرق دقيقة تساعد على استعادة المعلومات المفقودة أو المشوهة.

 

واستندت دونوفان في مقالها إلى آراء مؤرخين قالوا إن تطبيق علوم الحاسب الحديثة على الماضي البعيد يساعد في ربط أجزاء أوسع من السجل التاريخي بطريقة لم تكن ممكنة من قبل، مما يصحح التشوهات التي تحدث عند تحليل التاريخ وثيقة تلو الأخرى. لكن هذا التطبيق، وفقاً للمؤرخين، يقدم أيضاً تشوهات خاصة به، بما في ذلك خطر أن يتسلل التحيز أو التزوير الصريح إلى السجل التاريخي من خلال تقنيات التعلم الآلي، مما طرح تساؤلاً مهماً "مع تزايد دور الآلات في المستقبل، إلى أي مدى يجب أن نترك لها السيطرة على ماضينا؟".

وأكدت أنه "حتى وإن لم يكن هناك تلاعب متعمد، يعبر بعض العلماء عن قلقهم من أن المؤرخين قد يستخدمون أدوات ليسوا مدربين على فهمها". وقال أستاذ التاريخ في جامعة "تكساس" في سان أنطونيو، إبراهيم جيبسون، "حتى وقت قريب جداً، لم يكن زملائي المؤرخين يرون علاقة للذكاء الاصطناعي بأعمالهم، لكنهم بدأوا يدركون بصورة متزايدة الاحتمالية التي قد تجبرهم على ترك بعض التفسير التاريخي للتكنولوجيا"

وعلى موقع "Quora"، المتخصص في فتح نقاشات اجتماعية ضمن سوق المعرفة عبر الإنترنت، دارت مناقشة تحت عنوان "هل يمكن للروبوتات المتخصصة أن تساعد في كتابة تاريخ أكثر حيادية للأجيال القادمة؟" اعتبر خريج علوم الحاسب الآلي من جامعة "نيو هامبشاير"، كريستوفر كوك، أن توثيق التاريخ بواسطة الروبوتات يتطلب أمرين رئيسين: الأول مراقبة الأحداث الفعلية وتخزين المعلومات ذات الصلة، والآخر يعتمد على تلقي الأحداث من وسائل الإعلام وتصفيتها، لكن هذا قد يؤدي إلى وجود انحياز، مضيفاً أن إعادة كتابة التاريخ يجب ألا تتم باستخفاف، بخاصة إذا كان الشخص غير موجود في تلك الحقبة، ولا يمكنه تقديم وجهة نظر دقيقة.

من جهة أخرى رأى نيك نيلسون، الذي عرّف نفسه متخصصاً في التاريخ، أنه من الممكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في كتابة التاريخ بصورة محايدة، بشرط أن يبنى هذا الذكاء بطريقة خالية من التحيز، مضيفاً أن البشر "لا يسعون إلى الصدق أو الحقيقة بقدر سعيهم إلى تأكيد تحيزاتهم، وأي شيء يخالف ذلك يُوقف بسرعة". أما العامل في مجال التكنولوجيا بإحدى الشركات الهندية، ديباك بيلورو، فقد أوضح أنه حتى إذا ساعدت التقنيات مثل التعلم الآلي في فك تشفير الأدلة التاريخية، فإن التحيز "سيظل موجوداً في كل صورة من صور الأدلة استناداً إلى عقلية الكتاب في تلك الحقبة"، مؤكداً أن التاريخ "لا يمكن أن يكون محايداً تماماً، لأن الإنسان بطبيعته كائن متحيز".

متابعات



س ع

 



اضف تعليق