مع تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات، يجد العراق نفسه أمام أزمة مالية متفاقمة، قد تُضاعف من حجم العجز في موازنته العامة وتدفع نحو إجراءات تقشفية قاسية ما لم تُعالج تداعيات السوق سريعاً.
فقد انخفض سعر خام برنت، صباح الأربعاء، إلى 58 دولاراً للبرميل، قبل أن يتعافى جزئياً مساءً إلى 66 دولاراً، ثم يعاود الانخفاض مع افتتاح الأسواق الآسيوية يوم الخميس ليسجل 65.10 دولاراً، في حين بلغ سعر خام غرب تكساس 62.04 دولاراً.
هذا التذبذب الكبير جاء على خلفية فرض واشنطن لرسوم كمركية انتقامية، ثم التراجع عنها جزئياً في اليوم ذاته، ما خلق حالة من الارتباك في الأسواق العالمية.
تأثير مباشر على الاقتصاد العراقي
يعتمد العراق بشكل شبه كامل على صادرات النفط كمصدر رئيسي لتمويل موازنته.
وقد تم احتساب موازنة العام الحالي على أساس 70 دولاراً لبرميل النفط، وهو ما يتجاوز الأسعار الحالية بنحو 10 دولارات.
وبالنظر إلى أن النفط العراقي يُباع بأقل من خام برنت بـ5 إلى 7 دولارات (بحسب نوع الخام)، فإن السعر الواقعي للنفط العراقي يراوح حالياً حول 60 دولاراً للبرميل.
وبحسب تقديرات اقتصادية، فإن كل دولار واحد ينخفض من سعر برميل النفط، يُفقد الخزينة العراقية نحو 3.5 مليون دولار يومياً، أي ما يعادل 1.26 مليار دولار سنوياً.
وإذا استقرت الأسعار الحالية، فإن العجز المالي قد يصل إلى 12.6 مليار دولار سنوياً، أي نحو 16.4 تريليون دينار عراقي. أما إذا تحققت التوقعات المتشائمة لبنك "غولدمان ساكس"، بانخفاض السعر إلى 50 دولاراً للبرميل، فإن العجز سيتضاعف إلى 25.2 مليار دولار سنوياً، أي ما يقارب 33 تريليون دينار.
مخاوف من أزمة مالية عميقة
يرى خبراء في الطاقة أن استمرار السياسات التجارية الأميركية العدائية، وتحديداً فرض الرسوم الجمركية، يضغط على أسواق النفط العالمية. ويقول روبن ميلز، مدير شركة "قمر إنيرجي"، في : "سياسة الرسوم الكمركية الأميركية أربكت سوق النفط، وإذا لم تتدخل أوبك+ لتقليص الإنتاج سريعاً، فإن الأسعار مرشحة لمزيد من الانخفاض".
وكانت منظمة أوبك+ قد اتخذت في اجتماعها الأخير قراراً بزيادة الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً بدءاً من أيار، ما ساهم أيضاً في زيادة العرض العالمي وتراجع الأسعار.
تحذير من تبعات اقتصادية واجتماعية
العراق، الذي يعيش أصلاً تحت ضغط ارتفاع الإنفاق الحكومي، والاعتماد شبه الكامل على الإيرادات النفطية، قد يجد نفسه مضطراً لإعادة النظر في أولويات الإنفاق، وربما اللجوء إلى الاقتراض أو تأجيل مشاريع حيوية.
الانكماش النفطي لا يهدد فقط التوازن المالي للدولة، بل قد يفتح الباب أمام تداعيات اجتماعية واقتصادية أوسع، في بلد يواجه تحديات متراكمة على صعيد الخدمات والبطالة والاستقرار السياسي.
م.ال
اضف تعليق