بعد ان حققت قائمته فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في الثاني عشر من ايار مايو الماضي، بدأ الصدر تحركاته الدبلوماسية سعياً لتشكيل حكومة "ابوية" تكنوقراطية على حد قوله، شكلت التغريدات التي اطلقها مفاتيح لرسم صورة اولية عن صورة الحكومة القادمة، كما ان انتقال المفاوضات السياسية من اربيل بقيادة مسعود البرزاني الى النجف بقيادة مقتدى الصدر وحيدر العبادي سيواجه تحديات كبيرة يسعى الصدر لتفاديها من خلال توسيع قاعدة دعمه الإقليمي لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق والتخلص من التبعية الى اي دولة خارجية.

اذ يرى المحللون السياسيون ان الازدواجية التي يتبعها الصدر في الية تشكيل حكومة اغلبية يمكن ان تكون سبب لعزله كمعارضة داخل البرلمان، خصوصا وانه لم يستطع تحقيق فوز ساحق يؤهله لقيادة العملية السياسية بقوة الا اذا تحالف مع اطراف اخرى، فمن جهة كشفت مصادر مطلعة عن فتح قنوات اتصال بين الجانب الامريكي والصدر، ومن جهة اخرى يغرد لوصول قاسم سليماني بغداد لاجراء مباحثات تشكيل الحكومة العراقية، في الوقت نفسه يؤكد على رفض اي تدخل خارجي في تشكيل الحكومة الجديدة، فهل يستطيع الصدر الحد من النفوذ الايراني في العراق؟، ام ستلعب امريكا لعبتها ضد الجمهورية الاسلامية من باستخدام المعارضين لوجودها داخل البرلمان الجديد؟.

جيبوليتك الحراك السياسي

استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور سعد السعدي يرى ان تغيرا جديدا سيدير بوصلة المفاوضات الخاصة بتشكيل الحكومة من جهة وبتوجه السياسة الخارجية من جهة اخرى، سيفضي بانتقال جيبوليتك الحراك السياسي من اربيل الى النجف، كما سيواجه الحراك ثلاث مشاهد مستقبلية محتملة لتشكيل الخارطة السياسية بما فيها الحكومة والعلاقات الخارجية مع الدول الاقليمية والدولية.

الاول: تدهور مفاوضات تشكيل الحكومة من قبل الكتلة الفائزة "سائرون" التي لم تحصل على اغلبية مريحة للتحكم بدفة التفاوض والاملاء على الاخرين، ونفترض عدم توصل سائرون والنصر والكتل القريبة الى صيغة تفاهم بسبب رغبة جامحة من قبل الصدريين للتحكم بالمشهد السياسي القادم، بشكل يستفز الاخرين ويدفعهم لاستبعاد سائرون من تحركاتهم او دفعها للخلف على الاقل.

المشهد الثاني: يفترض نجاح ايران وربما بموافقة امريكية في ارغام القوى الشيعية لتشكيل تحالف يبقي حزب الدعوة في المقدمة لترأس رئاسة الوزراء من قبل السيد العبادي، او شخصية اخرى متوازنة بدعم من الكتل الكبيرة وبعض الاطراف السنية، واستبعاد سائرون او دفعها للخلف على الاقل لتدور في هامش العملية السياسية والعمل على تفكيك الكتلة، لكن هذا المشهد يحمل تداعيات خطيرة على استقرار البلد وعلى سير العملية السياسية وربما الامن بشكل عام، من خلال جر الصدريين الى التصعيد على الارض مظاهرات واضراب وعصيان وربما مواجهة عسكرية.

المشهد الثالث: يفترض ابتعاد القوى الخارجية المؤثرة او فشلها في التأثير القوي على مجريات الامور، والسماح لجهود السيد الصدر لقيادة الحراك السياسي لتشكيل الحكومة وتحديد السياسة الخارجية القادمة، برؤية لا تشترط ترشح احد اعضاء سائرون الى رئاسة الوزراء وانما الدفع اما الى اعادة ترشيح العبادي بشروط جديدة، واما ترشيح شخصية يتوافق عليها كل من سائرون والنصر والحكمة والحزب الديمقراطي الكردستاني وبعض القوى السنية لتشكيل اغلبية برلمانية مريحة، ودفع كل من الفتح ودولة القانون الى الوراء للقبول اما بدور المعارضة البرلمانية واما المشاركة بالحكومة بشروط الصدريين والنصر والكردستاني وسيكون تيار الحكمة بيضة قبان في كل الاحوال.

ويرى السعدي ان "الشيء المؤكد في جميع المشاهد والاحتمالات هو ان درجة النفوذ الايراني بل وحتى الامريكي سيتراجع نسبيا، بعد تشكيل الحكومة بكل الاحوال انطلاقا من حتمية التأثر السلبي بطبيعة النتائج وتوجهات القوى الصاعدة الجديدة، ورؤاها السياسية والمزايدات التي ستطلق خلال هذه المرحلة لاثبات برامجها، تقوم على اساس فكرة استقلال القرار الوطني العراقي تحميه حكومة وطنية جديدة".

المشروع الوطني وتصفير الخلافات

ان ولاء المالكي لايران وعمق الخلافات الداخلية بين الصدر وحزب الدعوة خصوصا بعد الحرب التي خاضها انصار التيار مع دولة القانون في صولة الفرسان في 2008، ولدت فجوة كبيرة بينهما فهل سيكون هناك حدث تاريخي لبداية صفحة جديدة مع الصدر؟، المختص في العلاقات الدبلوماسية والدولية الدكتور فاضل الشويلي من جامعة ذي قار قال: "وإن كانت الملامح لم تتضح بعد للخارطة السياسية المرتقبة ومن المبكر جداً الحديث عنها، إلا أن تحالف سائرون ومن خلال الفهم المختلف لمجريات الأمور في هذه المرحلة الجديدة، وتدارك أخطاء المراحل السابقة فضلاً عن الفهم والقناعة الوطنية لهذا التحالف يمكن ان يحقق هدفه.

ويرى الشويلي "بالامكان في حال إتفاق الأطراف الأخرى على المشروع الوطني الذي قدمه تحالف سائرون من أجل تشكيل الكتلة الأكبر قبل الدخول الى قبة البرلمان، حينها من الممكن أن نتحدث عن تحجيم دور التدخل الايراني أو السعودي أو اي تدخل آخر ويكون القرار عراقي، لأن تحالف سائرون بمفرده لا يستطيع تحقيق هذه المسألة، سيما وأن هنالك مصالح لجميع الأطراف الداخلة في العملية السياسية والتي تشترط كثير من القضايا والتي غالباً ما تكون مصلحة قومية او مذهبية وغير عابرة لكل ما ذكرنا أي تبتعد عن الهم الوطني.

مثال على ذلك كما تم تسريبه في الإعلام هو اشتراط المكون الكردي على نسبة 17% من الميزانية للقبول في الدخول في تشكيل الكتلة الأكبر وكذلك مطالب القوى الأخرى، من هنا فان مسألة التقليل أو الحد من التدخل الايراني أو غيره مرهون بمدى القبول بالمشروع الوطني الذي طرحه تحالف سائرون.

كما دعى الشويلي تحالف سائرون بأن يمسك العصا من الوسط في حال تمكنه من تشكيل الكتلة الاكبر واقامة علاقات دولية متوازنة مع كل الأطراف لأن العراق بحاجة الى تصفير المشاكل والخلافات مع اي طرف. انتهى/خ.

اضف تعليق