قالت المعارضة السعودية والباحثة في علم الاجتماع مضاوي الرشيد، إن السعودية يصعب فهمها. فرغم ما تتمتع به المملكة من ثروة نفطية لا حدود لها، وتأثير هائل في الشؤون العالمية، إلا أن قادتها لا يزالون يشعرون بخطر يهدد قوتهم لدرجة أنهم يسجنون أمراء منافسين ويغتالون المعارضين مثل الكاتب بصحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي، وتاليًا ما رصدته الرشيد لأبرز خمس خرافات عن السعودية في مقال نشرته بصحيفة واشنطن بوست:
1. السعودية هي شريك مهم ضد ايران
اقترح الرئيس ترامب أن العالم بحاجة إلى ناتو عربي لمواجهة إيران، تؤدي فيه السعودية دورًا مركزيًا. ويجادل محللون مثل انتوني كوردسمان بأن السعودية شريك أمني مهم، خاصة في مواجهة إيران، العدو التاريخي للولايات المتحدة.
لكن السعودية ليست شريكًا مهمًا للولايات المتحدة في هذا النزاع. على الرغم من زيادة الإنفاق على الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية – فهي ثالث أكبر مشتر للأسلحة في العالم – لا يستطيع النظام السعودي خوض حرب بمفرده، ولا يمكنه مواجهة إيران بشكل فعال في حرب بالوكالة. في عام 2015 شن السعوديون حربًا في اليمن لوقف النفوذ الإيراني على حدودهم الجنوبية. بعد أربع سنوات تقريبًا، نجح السعوديون فقط في تدمير البلاد، وزادوا نفوذ إيران هناك وجعلوا المدن السعودية عرضة لصواريخ الحوثيين.
وفي لبنان لم تؤد الجهود السعودية نيابة عن رئيس الوزراء سعد الحريري، إلا إلى جعل حزب الله المدعوم من إيران أكثر قوة. في العراق، جند القادة السعوديون مناصرين في صفوف المعارضة من السنة والعلمانيين وحتى المتطرفين، على أمل التأثير في السياسة العراقية لمواجهة إيران. وكانت كل هذه الجهود محكومًا عليها بالفشل.
2. السعودية هي حليف رئيس في الحرب ضد الإرهاب
"نحن بحاجة إلى السعودية في كفاحنا ضد الإرهاب"، هكذا قال ترامب في أكتوبر (تشرين الأول)، مؤكدًا على الحكمة التقليدية حول قدرة المملكة على المساعدة في احتواء العنف الأصولي. كما أشاد تقرير لجنة هجمات الحادي عشر من سبتمبر في عام 2004 بالمملكة لأنها "ناقشت علنًا مشكلة التطرف، وانتقدت الإرهابيين بوصفهم منحرفين دينيًا، وخفضت الدعم الرسمي للنشاط الديني في الخارج… والاعتقالات المعلنة".
لكن الدولة السعودية لعبت دورًا مركزيًا في نشر أيديولوجية أصولية منشقة تبرر الإرهاب في جميع أنحاء العالم. كان حصار المسجد الحرام في مكة عام 1979، وأنشطة "القاعدة" في أفغانستان في الثمانينات، وهجمات 11 سبتمبر (أيلول) التي استهدفت مبنى التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع (البنتاجون)، وصعود تنظيم داعش في العراق وسوريا في عام 2014 مبنيًا على فكرة "الجهاد ضد الكفار"، وهي تفسيرات رعتها السعودية. توقعت الرياض أن يطلق الأصوليون الجهاد في الخارج، وأن يلتزموا بالطاعة في وطنهم، لكن هذه السياسة جاءت بنتائج عكسية، حيث استهدف المقاتلون الحكومة في نهاية المطاف.
والآن فإن تقديرات مواجهة الاستخبارات السعودية للإرهاب آخذة في التراجع، وفقًا لما قاله بروس ريدل، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض، منذ أن قام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باقالة رئيس المخابرات السابق. وتساعد حروبها بالوكالة في اليمن وسوريا والعراق في إثارة المقاومة العنيفة بين بعض الشيعة في المنطقة.
3. السعودية هي منبع الأصولية الإسلامية
يبدو أن المملكة منبع لإنتاج إرهابيين أصوليين، وينتمي 15 من الخاطفين الـ19 ممن نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001، وأسامة بن لادن نفسه إلى السعودية. في تقرير عن النفوذ الديني السعودي، أشار رجل دين إسلامي بارز في تركيا أنه بينما كان يجتمع مع رجال دين سعوديين في الرياض أعدمت الحكومة 45 مواطنًا سعوديًا بسبب الإرهاب. وقال: "قلت: هؤلاء الناس درسوا الإسلام لمدة 10 أو 15 سنة في بلدكم. هل هناك مشكلة في النظام التعليمي؟".
لكن في حين أن الوهابية هي أيديولوجية الدولة، فإن الكثير من السعوديين لا يوافقون عليها. يؤكد الباحث منصور معادل أن التيار المعتدل ينتشر في المجتمع السعودي، وأن السعوديين أقل تدينًا بشكل عام من الشعوب الأخرى في دول الشرق الأوسط.
في الجمهوريات العربية الأخرى، بما في ذلك مصر وسوريا والجزائر، نشأت الأصولية الإسلامية لمواجهة الأنظمة العلمانية، ولكن في السعودية، كانت نتاج الدولة، ولم تصبح حركة اجتماعية حقيقية. على الرغم من أن أقلية من السعوديين أيدت هذا المشروع، إلا أن الغالبية بقيت غير مقتنعة، ورفض العديد منهم بشدة الانضمام إليها. المشكلة هي أن المجال العام الذي تسيطر عليه الدولة مغلق أمام الانتقادات المباشرة لسياساتها الإسلامية. الأصوات السعودية التي رفضت الأصولية، بما في ذلك الناشط رائد بدوي والمدون حمزة كاشغري والكاتب حسن فرحان المالكي، تم إسكاتهم أو سجنهم أو تعرضهم للعقاب البدني.
4. قادة السعودية يقودون الإصلاح الثوري
ذكرت صحيفة الجارديان في عام 2017 أن "التحول الذي بدأته القيادة السعودية الجديدة للملك سلمان وابنه ووريثه الأمير محمد بن سلمان، قد هز بالفعل معظم أركان البلاد". في صحيفة نيويورك تايمز في العام الماضي، أشاد توماس فريدمان بولي العهد للدخول في ثورة حديثة: إجراء حملة لمكافحة الفساد، وإنهاء الحظر على قيادة المرأة، وإعادة تقديم الترفيه الشعبي، وإعداد الاقتصاد لعصر ما بعد النفط. وعلى عكس الثورات الأخرى، كتب فريدمان: "هذه الثورة تحدث من الأعلى إلى الأسفل".
هذه الفكرة تسخر من الثورة والإصلاح. الثورة هي الإطاحة الكاملة بالحكومة والنظام الاجتماعي، وهو ما لم يحدث في السعودية. لا تعتبر دور السينما والمسارح والسيرك رموزًا للتحول الحقيقي. قد يتمتع الشباب بهذه التغييرات السطحية في الوقت الحالي، لكن الحكومة لا تزال ملكية مطلقة، والآن مع قوة أكبر تتركز في أيدي فرد واحد. إن التحول الاقتصادي متعثر، مع ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 12%، وأصبح النظام الاجتماعي أكثر تقييدًا وقمعية وخطورة. من اعتقالات لرجال الدين المعارضين والناشطات إلى قتل خاشقجي، يتم استخدام التخويف المرتبط بالثورات في الغالب لمنع التغيير السياسي الحقيقي.
5. السعودية هي قوة استقرار في الشرق الأوسط
جادلت مارسيل وهبة، وهي سفيرة أمريكية سابقة لدى دولة الإمارات، جادلت عام 2017 بأن دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك السعودية، تساعد في الحفاظ على حالة الاستقرار. وكتبت: "دول مجلس التعاون الخليجي هي في جوهرها ممالك ذات توجهات قائمة على الوضع الراهن، والاستقرار الإقليمي هو هدف جوهري". وقال الجنرال جوزيف فوتيل، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) أنه لا يوجد تغيير في العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية، على الرغم من الغضب الشعبي إزاء مقتل خاشقجي. وكثيرًا ما يتطلع شركاء آخرون في المنطقة إلى السعودية لتولي زمام القيادة والتوجيه وكيفية التعامل مع مخاوف أمنية أوسع نطاقًا.
غير أن الوضع الراهن هو أحد المصادر الرئيسية لعدم الاستقرار في المنطقة. جاءت الانتفاضات العربية عام 2011 في وقت بدا فيه هذا الوضع الراهن – أي عقود من الحكم الاستبدادي – ينفجر تحت ضغط ديمغرافي واقتصادي وسياسي من قوى مؤيدة للديمقراطية حقًا. لقد عملت السعودية وحلفاؤها من الخليج على مواجهة الثوار والحفاظ على الوضع الأوتوقراطي.
في مصر دعمت الأموال السعودية الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، وأعادت البلاد إلى الحكم العسكري والقمع والركود السياسي. في سوريا نجحت الرعاية المالية والعسكرية السعودية لبعض قوات المعارضة في خنق القوى الديمقراطية وبدأت حرب أهلية طائفية. في البحرين أدى التدخل العسكري السعودي المباشر إلى سحق المعارضة. من خلال نبذ قطر ومعاقبتها على دعم الإخوان المسلمين، تسببت الإجراءات السعودية في اضعاف مجلس التعاون الخليجي. إجبار رئيس الوزراء اللبناني، الحريري، على الاستقالة في الرياض عام 2017 (رغم أنه ألغى استقالته بعد شهر) هدد بزعزعة استقرار دولة عربية أخرى.
إن مثل هذه الإجراءات تعكس سياسة الرياض غير المنتظمة في المنطقة، والغرض الرئيس منها هو الحفاظ على الملكية والجمهورية السلطوية في العالم العربي بدلًا من خلق استقرار طويل الأمد.
اضف تعليق