بنهاية عام 2024، يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أنهى ولايته الرابعة -والأخيرة وفق ما يقتضيه الدستور الروسي- في السلطة، وهي ولايات أتت متقطعة بعدما تنازل بوتين عن منصب الرئاسة لحليفه ديمتري ميدفيدف بين عامي 2008-2012 قبل أن يعود مرة أخرى إلى الرئاسة عام 2012 مترشحًا لفترتين رئاسيتين جديدتين حتى عام 2024.

مستقبل روسيا يشوبه الغموض

في 18 مارس (آذار) العام الماضي، فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (66 عامًا) بولاية جديدة، مستكملًا بذلك سنوات الحُكم الطويلة التي تحول خلالها إلى رجل روسيا الأول؛ الذي يُخضع الجميع لسيطرته، ويحكم قبضته على كافة مفاصل الدولة، بعدما عزل مراكز القوى السابقة، من مناصبهم، وسد كافة الطرق أمام عودتهم للسلطة.

كان بوتين مطمئنًا هو وأنصاره من النجاح حتمي في ظل غياب مُنافسين أقوياء، وهشاشة المعارضة الداخلية بعدما فر الكثير منهم خارج البلاد خشية التهديدات التي طالتهم، وقد منعت السلطات الرسمية ترشح، ألكسي نافالني، أبرز معارضيه؛ في النهاية اكتسح بوتين نتائج الانتخابات الرئاسية بنسبة 76% من أصوات الناخبين، حسب الأرقام الرسمية.

كانت عيون القيصر وأنصاره تتطلع لما هو أبعد من ذلك؛ وتحديدًا إلى انتخابات عام 2024؛ بعدما يُنهي بوتين ولايته الرابعة، والأخيرة بموجب الدستور، الذي أضفى عليه بعض التعديلات السابقة خلال منصبه رئيس وزراء بين عامي 2008-2012، ليمدد مدة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، ويتم انتخابه رئيسا مرة أخرى عام 2012.

لا يتخيل الكثيرون شخصًا يحل بديلًا لبوتين، رمز السلطة القوي، بعد نهاية ولايته الأخيرة، لكن ثمة عقبتين رئيسيتين في طريق استمرار الرجل في منصبه، الأولى هي الدستور الذي لا يسمح له البقاء بعد هذا العام، أمام العقبة الثانية فهو عامل السن الذي يرتبط بظروفه الصحية حين يكون في عُمر 72؛ وهو العُمر الذي تبدأ عنده مظاهر الشيخوخة ترتسم على ملامح صاحبه، خصوصاً بعدما بدأت تظهر عليه بعض علامات الكِبر والوهن.

"إعادة انتخاب بوتين أمر حتمي، لكن ماذا بعد؟" العنوان اللافت لتقرير منشور لصحيفة "الجارديان" البريطانية هو محور الأزمة الكُبرى للقيصر الروسي ومناصريه؛ وهو ما يرسم خطوطها فياتشيسلاف فوفودين رئيس مجلس النواب الروسي (الدوما)، في تقرير "الجارديان" حين يقول: "إن كان بوتين موجودًا، فإن روسيا موجودة، وإن لم يكن هناك بوتين فإن روسيا لن تكون موجودة".

بينما ينقل مصدر في الكرملين مُقرب من القيصر، في نفس التقرير ملامح قلقه من الانتخابات المقابلة، ويقول: "إن بوتين لم يحسم أمره بخصوص ما الذي سيفعله في 2024، وهو يحاول دائمًا تأجيل أي قرار يمكن أن يُتخذ فيما بعد"، مختتمًا حديثه بالتأكيد على أن "مناصري بوتين (لم يكونوا) قلقين من الانتخابات الرئاسية في عام 2018 بل من تلك التي ستجرى في عام 2024".

ماذا في جُعبة بوتين هذه المرة؟

أمام هذا الاختبار الصعب، والعقبات السابق ذكرها، تتواصل الاجتماعات والمداولات بين رجال بوتين النافذين ودائرته المغلقة، بحثاً عن خطة جديدة من أجل بقاء بوتين لما بعد عام 2024، والالتفاف على الموانع الدستورية التي تحول دون استمرار القيصر الروسي في كُرسي الحُكم.

كان مافعله نزار باييف، رئيس جمهورية كازاخستان، أحد مُدن الاتحاد السوفيتي قبل تفككه، من تقديم استقالة مفاجئة، قبل أسبوع، حلاً مطروحًا لبحث مدى احتمالية تطبيقه في روسيا؛ بحيث يُكرر بوتين ما فعله نزارباييف، من تقديم الاستقالة قبل نهاية ولايته، محتفظًا بمنصب جديد غير رسمي، ويضمن له السيطرة على مقاليد الحُكم كحال باييف، الذي ضمن لنفسه صفة "الرئيس الأول" أو "زعيم الأمة"، والذي يُتيح له شغل مناصب رفيعة، بما فيها رئاسة مجلس الأمن وتحديد الاتجاهات الرئيسية لسياسات الدولة مدى الحياة.

وكان الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف (78 عامًا) قد أعلن تنحيه عن السلطة، وذلك في كلمة تلفزيونية مُسجلة، بعد حُكم البلاد لـ30 عاماً، بدأت في أعقاب انهيار الإتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي. لكن هذه الاستقالة لم تكن سوى استمرار لمُراوغاته في سبيل لبقاء؛ فهو سيظل محتفظًا بمقعد دائم في مجلس الدفاع الأعلى ومنصب رئيس الجمعية الوطنية التي تجمع مختلف الأعراق والأثنيات في البلاد.

غير أن إعادة تكرار السيناريو الكازخستاني يجد صعوبة كُبيرة في تطبيقه، بحسب مراكز بحثية ومحللين للشأن الروسي، كحال مركز "كارنيجي" للأبحاث والدراسات السياسية، الذي أشار في تقرير منشور إلى أن ظروف روسيا السياسية من كون روتين ينتمي إلى طبقة رجال السياسة المندمجين في "البيزنس"، فضلًا عن تزايد الفجوة بينه وبين الشعب وحتى النخبة الروسية، ليكون صعبًا للغاية تقديمه للشعب بوصفه وصيًّا عليهم وعلى سياسات بلاده بعد انتهاء ولايته.

الأمر الآخر الذي قد يزيد من صعوبة تطبيق النموذج الكازاخستاني في روسيا هو عدم وجود نخبة عائلية لبوتين داخل سلطته؛ فنجلتاه الاثنتان خارج دوائر الحُكم منذ سنوات طويلة، ولاتستهويهم المناصب الرسمية، وزوجته المُطلقة هي الأخرى كذلك، وذلك على خلاف نزارباييف، الذي يتوزع أفراد أسرته في مناصب مؤثرة، ومن أبرزهم ابنته، داريغا، التي تولت رئاسة "مجلس الشيوخ".

ولدى بوتين ابنتان هما ماريا ويكاترينا، وهما في أوائل الثلاثينات، وقد حرص طيلة السنوات الماضية على إخفائهم عن دائرة الأضواء؛ والبنت الكُبرى راقصة "روك آند رول"، وشاركت في العديد من المُسابقات الدولية، أما الصٌغرى فيُعتقد أنها طبيبة أسنان، ولاتظهر في وسائل الإعلام، وتنفر من السياسة.

"لا معارضة داخلية في كازاخستان، كما أن السياسات الحذرة وفرت لنزارباييف دعم روسيا والغرب والصين على حد سواء. على عكس روسيا، فإن كازاخستان ليست حتى أوتوقراطية انتخابية، إذ إنه لن يتم من الآن فصاعداً انتخاب الحاكم الفعلي، ولو إجرائيًّا. فقد استمر التمهيد لذلك على مدى ثلاثة عقود، وبات في متناول نزارباييف إجراء عملية انتقال السلطة كما يراها". هكذا يدعم الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى، إيفان بريوبراجينسكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، وجهة النظر التي تُعزز من صعوبة تطبيق التجربة الكازاخستانية.

ويبرز مسار بديل من جانب أنصار بوتين لبقائه في السلطة، من خلال إعادة تكرار الحديث عن ضم بيلاروسيا، كما فعل مع جزيرة القرم، واستغلال ذلك من أجل طرح دستور جديد للاستفتاء، وتحويل الحكم إلى نظام برلماني يتم تعيينه رئيسًا للوزراء من خلاله، وتعديل الدستور.

ويبدو المسار الأخير هو الأكثر جدوى وقبولًا من جانب بوتين؛ الذي ترسم سياسته الخارجية تجاه بيلاروسيا، في الشهور الأخيرة، مؤشرات فعلية من أجل إقناعها للدخول في تكامل أوثق في شكل يتضمن إنشاء دولة موحدة، ما قد يمدد فترة بقاء بوتين في السلطة على رأس الدولة الجديدة الموحدة.

وفي ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إنّ موسكو مستعدة لتكامل أوثق مع بيلاروسيا، بما في ذلك إصدار عملة مشتركة وخدمات جمركية ومحاكم مشتركة، استنادًا إلى اتفاق وقع في العام 1999 لإنشاء دولة "موحدة"، كما زار رئيس بيلاروسيا، الشهر الماضي، منتجع سوتشي الروسي لعقد مباحثات مع بوتين، وهي المرة الثالثة التي يلتقي فيها الرئيسان في أقل من شهرين.

وتؤشر سياسة التقارب التي انتهجتها روسيا، مؤخرًا، تجاه بيلا روسيا، واللقاءات المُتكررة التي تجمع رئيسي كلا البلدين، والتلميحات التي تعزز أهمية ضم بيلاروسيا، من فرص استخدام هذا الأمر لتعديل الدستور، من أجل تمديد فترة حُكم بوتين، الرجل الذي تحول إلى أيقونة ورمز تتجسد فيه كُل معالم السُلطة والحُكم.

المصدر: ساسة بوست

اضف تعليق