في ظل تصاعد الجدل الشعبي والسياسي بشأن اتفاقية خور عبد الله المبرمة بين العراق والكويت، حذّر مختصون في الشؤون القانونية والبحرية من أن هذه الاتفاقية تنطوي على أضرار استراتيجية تمس سيادة العراق على حدوده البحرية، وتضعف منفذه البحري الوحيد إلى الخليج العربي.

وتُنظّم الاتفاقية، التي وُقّعت عام 2012 وتم التصديق عليها لاحقًا في البرلمان العراقي، الملاحة المشتركة في خور عبد الله، وهو الممر المائي الذي يفصل شبه جزيرة الفاو العراقية عن جزيرة بوبيان الكويتية.

ويُعد الخور الشريان البحري الوحيد الذي يربط العراق بالعالم عبر الخليج العربي.

ويُبدي خبراء مخاوف جدية من أن الاتفاقية تُكرّس واقعًا جيوسياسيًا يجعل جزءاً كبيراً من الخور تحت النفوذ الكويتي، ما قد يؤدي إلى تقليص حرية الملاحة العراقية في هذه المنطقة الحيوية، ويُفقد العراق جانباً من سيادته على مياهه الإقليمية.

وذكر الكاتب في الشأن السياسي احمد الساعدي في تدوينة له، إن "الاتفاقية لم تُراعِ مبادئ العدالة الجغرافية، خاصة أن العراق لا يمتلك منفذًا بحريًا بديلًا، في حين تملك الكويت سواحل طويلة وموانئ متعددة"، محذرًا من أن هذه الصيغة تمنح حق الرقابة المشتركة أو الانفرادية للكويت في بعض مناطق الخور.

ويمتد الخطر -وفقًا لمحللين اقتصاديين- إلى التأثير على مستقبل ميناء أم قصر، الذي يُمثل الرئة البحرية التجارية للعراق. كما قد تُعيق الاتفاقية تنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير، الذي تراهن عليه بغداد ليكون بوابة تجارية استراتيجية تربط شرق آسيا بأوروبا عبر العراق.

وتشير تقارير إلى، أنّ أي قيود على حركة السفن في الخور، سواء كانت إدارية أو بيئية أو سيادية، قد تُعطل الجدوى الاقتصادية لميناء الفاو، الذي خُطط له ليكون من أكبر موانئ الشرق الأوسط.

وتستند الاتفاقية، بشكل غير مباشر، إلى قرار مجلس الأمن رقم 833 لعام 1993، الذي رسم الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت بعد حرب الخليج الثانية.

وقد صادق مجلس الأمن على ترسيم الحدود بما شمل جزءاً من خور عبد الله، وهو ما تعتبره أطراف عراقية ظلماً جغرافياً فُرض في ظرف سياسي هش بعد 2003، إذ لم يتم التفاوض من موقع قوة.

ويرى مراقبون، أن التصديق على الاتفاقية دون توافق وطني شامل يمنح الكويت أوراقًا قانونية تستخدمها في المنظمات الدولية، ما قد يُصعّب لاحقًا على العراق تعديل أو إعادة التفاوض على الاتفاق.

وبينما يطالب عدد من البرلمانيين والخبراء بإعادة النظر في الاتفاقية، دعت جهات قانونية إلى تحريك دعوى أمام محكمة العدل الدولية للطعن في جوانب الاتفاق التي يرونها مجحفة، أو على الأقل تجميد تنفيذها لحين تشكيل لجنة فنية مستقلة لمراجعتها.

من جهتها، لم تُصدر الحكومة العراقية الحالية موقفًا حاسمًا تجاه إعادة التفاوض، في ظل تزايد الضغوط السياسية من قوى وطنية تعتبر الاتفاق "تنازلًا غير مبرر" في ملف سيادي بالغ الحساسية.

ويقع خور عبد الله في أقصى جنوب العراق، ويفصل بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية.

ويُعد الممر البحري الوحيد الذي تستخدمه السفن العراقية للوصول إلى الخليج، ويكتسب أهميته من كونه ممراً ملاحيًا رئيسيًا لموانئ أم قصر وخور الزبير، فضلاً عن ارتباطه بمشروع ميناء الفاو الكبير.

الاتفاقية الثنائية الموقعة عام 2012 بين بغداد والكويت، والمصادق عليها في البرلمان العراقي عام 2013، تهدف إلى تنظيم الملاحة المشتركة، لكن صياغتها -بحسب مختصين- تُخل بمبدأ التوازن، وتُعطي أفضلية للطرف الكويتي في الرقابة والإشراف، ما يثير مخاوف مشروعة بشأن الحقوق السيادية العراقية في المياه الإقليمية.

م.ال

اضف تعليق