في تحوّل استراتيجي لسياسة إدارة الإمدادات، أعلنت ثماني دول من تحالف "أوبك بلس" قرارًا برفع إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يوميًا خلال شهر حزيران/يونيو 2025، في خطوة تهدف إلى الخروج التدريجي من قيود التخفيضات الطوعية التي التزمت بها المجموعة سابقًا، وسط تحذيرات من عودة شبح حرب الأسعار وتفاقم الاختلالات في السوق العالمية.
الزيادة التي أعلنت عنها كلٌّ من السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عُمان، جاءت بعد اجتماع افتراضي، ووفقًا لبيان صدر عن منظمة "أوبك"، فإن هذا القرار يُعد جزءًا من خطة مرنة لاستعادة 2.2 مليون برميل يوميًا من التخفيضات السابقة، تبدأ من أبريل 2025 وتُراجع شهريًا بحسب أوضاع السوق.
وأكد البيان، أن هذه الزيادة قابلة للتعديل أو التعليق، ما يمنح المنظمة مرونة في إدارة التوازن بين العرض والطلب، خصوصًا مع استمرار الضغوط المرتبطة بزيادة المخزونات وتراجع شهية السوق، في ظل تباطؤ النمو العالمي.
قرار رفع الإمدادات دفع بأسعار النفط إلى التراجع لأدنى مستوى لها منذ أربع سنوات، حيث انخفض سعر برميل خام برنت إلى 61.29 دولارًا، وسط قلق من تأثير هذه السياسة على استقرار الأسواق، لاسيما مع استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتوقيع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفاقية استراتيجية مع أوكرانيا لتطوير مواردها الطبيعية، ما يشير إلى رغبة واشنطن في خفض أسعار الطاقة وتعزيز البدائل.
العراق، أحد الموقعين على الاتفاق، سيرفع إنتاجه إلى 4.086 مليون برميل يوميًا في يونيو المقبل، رغم أن التقارير الدولية، ومنها ما أورده الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، تشير إلى أن البلاد لم تلتزم سابقًا بشكل كامل بحصص الإنتاج، إلى جانب كازاخستان وروسيا.
وكتب المرسومي في سلسلة منشورات: "القرار قد يشكل بداية حرب أسعار تستهدف المنتجين غير الملتزمين داخل التحالف، وكذلك منتجي النفط الصخري ذوي التكاليف العالية".
وأضاف، أن السعودية تقود هذا التحوّل الاستراتيجي بهدف استعادة حصتها السوقية، وعدم تحمّل العبء وحدها في تخفيض الإنتاج، مع إشارة واضحة إلى رغبتها في إقامة علاقات أقوى مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
تزامنًا مع هذه التطورات، عادت إلى الواجهة أزمة تهريب النفط من إقليم كردستان، والتي تُقدّر بحسب عضو لجنة النفط والغاز النيابية علاء الحيدري بـ180 ألف برميل يوميًا، تُهرّب بعيدًا عن رقابة الحكومة الاتحادية، وتُباع بأسعار متدنية، مما يتسبب بخسائر سنوية تقدّر بنحو 4 مليارات دولار.
وأشار الحيدري إلى، أن وزارة النفط فتحت تحقيقًا بعد ورود إشعار من "أوبك" بوجود كميات عراقية إضافية في السوق، ما يُعزز الشكوك بأن الفائض ناجم عن تهريب نفط الإقليم، خصوصًا بعد وقف تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي عقب قرار المحكمة الدولية في باريس عام 2023.
تقرير حديث لصحيفة The Insider البريطانية أشار إلى، أن السعودية باتت على حافة الانفجار من تجاوز بعض دول "أوبك بلس" لحصصها، وعلى رأسها العراق، وكازاخستان، والإمارات.
ونقلت الصحيفة عن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان نيته "معاقبة المخالفين عبر سياسة إغراق السوق بأسعار منخفضة" إذا لم يتم الالتزام بالتعهدات، خاصة في ظل المنافسة المتصاعدة مع منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا.
وبينما تستعد الدول الثماني لعقد اجتماعات شهرية لمراجعة التزامها ومراقبة السوق، فإن الأنظار تتجه إلى اجتماع 1 يونيو المقبل، حيث سيتم تحديد مستويات الإنتاج لشهر يوليو، في وقت لا يزال فيه التوتر داخل المنظمة قائمًا بين دول ملتزمة وأخرى تُتَّهم بالخرق المستمر.
التقلبات الراهنة تعكس حالة من اللايقين في أسواق النفط، وسط مخاوف من انهيار محتمل في الأسعار إذا اندلعت حرب أسعار جديدة، خاصة مع غياب توافق شامل داخل تحالف "أوبك بلس"، وتصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، ما قد يُهدد بإعادة سيناريو 2020 عندما انهارت الأسعار إلى مستويات تاريخية.
م.ال
اضف تعليق