خالد الثرواني/ وكالة النبأ الخبرية/ كربلاء المقدسة:

منذ بدء عمل البنك المركزي بالمنصة الإلكترونية ونظام التحويل المالي الدولي "سويفت" (SWIFT) قبل تسعة أشهر، لم تشهد أسعار صرف الدولار في العراق استقرارا رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي السيطرة على سعر الصرف في الأسواق الموازية.

ووصلت قيمة الدولار إلى 1580 دينار، الجمعة الماضية، قبل أن تنخفض السبت إلى أقل من 1500 دينار، ليرتفع الأحد والاثنين إلى 1520 – 1540 دينار للدولار الواحد فيما حددت الحكومة السسعر الرسمي بـ 1320 دينار لكل دولار.

أغلال أمريكية

منعت الولايات المتحدة 14 مصرفا عراقيا من إجراء معاملات بالدولار في إطار حملة شاملة على تحويل العملة الأميركية إلى إيران ودول أخرى خاضعة للعقوبات في الشرق الأوسط، وفقا لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الأربعاء.

وقال مسؤول أميركي كبير للصحيفة: "لدينا سبب قوي للشك في أن بعض عمليات غسيل الأموال هذه قد تعود بالفائدة، إما لأفراد مشمولين بالعقوبات الأميركية، أو لأشخاص يمكن أن تشملهم العقوبات".

وأضاف المسؤول الأميركي أن "الخطر الأساسي للعقوبات في العراق يتعلق بإيران بالتأكيد".

وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك قد أقر ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية بالدولار للبنوك التجارية العراقية في نوفمبر الماضي.

وقالت السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانوسكي، إن الإجراء كان "تقييدا" لتعاملات البنوك بالدولار.

ونفت السفيرة في تغريدة، السبت، فرض عقوبات على أي مصرف عراقي، وقالت إن الإجراءات فرضت بسبب "مخاوف تتعلق بغسيل الأموال".

مفاتيح عراقية

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مرارا أن سعر الصرف سيتراجع فور إقرار الموازنة العامة للبلاد، وهو ما أكده عديد من المسؤولين الحكوميين طيلة الأشهر الماضية، غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى، جهودا "لدعم الدينار العراقي والتصدي لعمليات التلاعب والمضاربة".

وقال المجلس في بيان إنه عقد اجتماعا ضم رئيس جهاز الادعاء العام وقضاة تحقيق المحاكم الاقتصادية في بغداد ورئيس جهاز الأمن الوطني ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات.

وأضاف البيان أن المجتمعين ناقشوا "أفضل السبل والآليات الكفيلة بمعالجة ظاهرة التلاعب بقيمة الدينار العراقي مقابل الدولار بما يكفل الحد منها وملاحقة المتورطين فيها وفقا للقوانين النافذة".

ومع جهود الحكومة للسيطرة على الأسعار في الأسواق الموازية شهدت الأسواق التجارية تراجعا بسعر الصرف في الأسابيع الماضية، لكنها عادت للارتفاع مرة أخرى، وهو ما يشير إلى مشكلة اقتصادية لا تزال حاضرة في البلاد.

ونتيجة لذلك لجأت الحكومة إلى خطة تقضي بفرض التعامل بالدينار العراقي في الأسواق ومحلات التجزئة في مختلف المحافظات، حيث بدأت شرطة محافظة كركوك مثلا، بأخذ تعهدات خطية من التجار وأصحاب معارض السيارات للتعامل بالدينار العراقي بدل الدولار.

وحذرت الأجهزة الأمنية من أن عدم الالتزام بذلك سيعرض التجار للمساءلة القانونية، في ظل الحديث عن تعميم هذه التجربة، مما يمكن اعتباره سابقة في العراق منذ عام 2003، وهو ما قد يتسبب في مشكلات أمنية واقتصادية على اعتبار أن أغلبية التجار يرفضون التعامل بالدينار نظرا للفرق الكبير بين سعر الصرف الرسمي والموازي.

معركة

رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، وصف يوم الثلاثاء (1 آب 2023)، أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي في الأسواق المحلية بـ"المعركة".

وقال السوداني في مؤتمر صحفي أن :"أزمة الدولار ليست أزمة إنما معركة"، مضيفا أن "معركة الدولار بين الدولة التي تصر على إكمال إصلاح النظام المالي والمصرفي وفئة متضررة عبارة عن مجموعة من المضاربين والمهربين".

وأكد "أننا مستمرون بكل عزيمة لملاحقة مضاربي ومهربي العملة الأجنبية"، مشيرا الى، ان "المضاربين كانوا يحددون سعر صرف ويتواصلون مع أشخاص يسحبون لهم الدولار من السوق كما ان المضاربين الكبار ارتبطوا بآخرين في إقليم كردستان كان يتم تهريب العملة من خلالهم".

وتعلن السلطات الأمنية في العراق بشكل شبه يومي إطاحة شبكات كبيرة مختصة بتهريب العملة والمضاربة بسعر الدولار، وتؤكد أن تلك الشبكات تخضع للتحقيق في مراكز الاحتجاز.

ولفت السوداني إلى أن "العمليات الأمنية ضد المضاربين تجري بتنسيق عال مع القضاء الذي كان متعاوناً على نحو استثنائي، وأن الحكومة ستستمر بالإجراءات، وأن أي حركة للمضاربين ستكون مكشوفة أمامنا، وهدفنا ليس البورصات، بل المضاربين الذين يمارسون أعمالاً غير قانونية وتضر بالاقتصاد".

جهاز الامن الوطني يبدأ الهجوم

ميدانياً، قال جهاز الأمن الوطني، يوم الأربعاء الفائت، إنه أطاح بشبكة من كبار المهربين والمضاربين بالدولار، ضبط بحوزتها 14 مليون دولار معدة للتهريب، مبينا أن "المتهمين الملقى القبض عليهم، وعددهم 11، اعترفوا باتخاذ شركات وهمية غطاء لتهريب العملة"، مشيراً أيضاً إلى "ضبط 12 متهماً بتهريب العملة في محافظات البصرة وديالى والمثنى بحوزتهم أكثر من 300 مليون دينار عراقي".

كما أعلنت هيئة المنافذ الحدودية، في اليوم ذاته، إحباط محاولة تهريب أكثر من 48 ألف دولار في منفذ زرباطية نحو إيران. وذكر بيان صادر عنها أن "العمليات جرت بناء على المعلومات الواردة لهيئة المنافذ، والمعممة على الدوائر الأمنية العاملة بالمنفذ، (مكنت) من القبض على سائق عجلة نوع جي إم سي GMC بحوزته مبلغاً مالياً قدره 48 ألفاً و300 دولار، يروم تهريبها إلى خارج البلاد".

ووجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، يوم الخميس (3 آب 2023) المؤسسات المعنية كافة، بالتقيّد بالعمل على وفق ما جاء في قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004، الذي بيّن أن البنك المركزي العراقي هو الجهة الوحيدة التي لها سلطة اتخاذ كافة الإجراءات لتنظيم ورقابة عمل المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية لضمان امتثالها".

وبادرت رابطة شركات الصرافة بالتعهد بالعمل طيلة أيام الاسبوع لبيع العملة الأجنبية للمواطنين بالسعر الرسمي المعتمد، حسب ضوابط وتعليمات البنك المركزي.

بين مفاتيح بغداد وأغلال واشنطن على البنك المركزي، يبقى سعر الدولار يتذبذب بين مد مزاد العملة وجز المضاربين، وما بين هذا وذاك، يرزح المواطن العراقي تحت وطئة ارتفاع الأسعار وانكماش الاقتصاد العراقي في حالة من اللايقين تجتاح الأسواق المحلية.

اضف تعليق