بيّنت دراسة حديثة لجامعة كاليفورنيا أن تعرّض الأشخاص لمناخات شديدة الحرارة يعزز ميولهم إلى الأعمال العدائية.

وتثير هذه الدراسة وغيرها من التقارير عن ارتفاع معدلات الجرائم والأعمال العنفية خلال أشهر الصيف، القلق تجاه مآلات السلوك البشري في المستقبل، في ظلّ التغير المناخي والاحترار العالمي.

وأشارت المجلة إلى دراسة نشرت عام 2016 في المجلة الأمريكية للصحة العامة خلصت إلى أن عمليات إطلاق النار الجماعي تزداد خلال أشهر الصيف، وهو ما يعتقد الباحثون أنه يشير إلى "تأثير موسمي".

كما كشف تقرير صادر عن مكتب إحصاءات العدل الأمريكي عام 2014 أن جرائم العنف (مثل القتل والاغتصاب) من المرجح أن تحدث خلال فصل الصيف أكثر من أي موسم آخر.

قبل ست سنوات، بدأ باحثون من جامعة كاليفورنيا في بيركلي بإجراء دراسة لفحص الرابط السببي بين الحرّ الشديد والعنف لدى الأشخاص.

عرّضت الدراسة عدداً من الأشخاص للحرارة في غرف ساخنة، لمعرفة ما إذا كانت درجات الحرارة المرتفعة قد تجعلهم أكثر عنفاً.

وشملت هذه التجربة طلاب الجامعات في نيروبي في كينيا الذين قسموا إلى مجموعات من ستة أشخاص، توزّعوا على غرفتين.

ولم تتجاوز الحرارة في الغرفة الأولى 20 درجة مئوية، فيما وصلت في الثانية إلى 30 درجة مئوية، وهو ارتفاع اعتقد الباحثون أنه لا يعرّض صحة الأشخاص الخاضعين للتجربة للخطر.

وفي حديث إلى موقع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية، قال المؤلف المشارك في الدراسة إدوارد ميغيل، وهو خبير اقتصادي في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: "لقد أنشأنا مستشعرات قياس للتأكد من أننا نحافظ على ثبات درجة الحرارة. كما أخفينا المدافئ حتى لا يعرف المشاركون أننا كنا ندفئ الغرفة".

ويضيف ميغيل أن القواعد الأخلاقية للتجربة منعتهم بالطبع من إجبار الناس على البقاء داخل الغرفة.

وأمضى الطلاب ساعة داخل الغرفتين يلعبون سلسلة من ألعاب الكومبيوتر مع بعضهم، بما في ذلك لعبة تسمى "فرحة الدمار".

في هذه اللعبة، يظهر على الشاشة عدد النقاط التي حققها أحد اللاعبين الآخرين، من دون معرفة هويته بالتحديد. تلك النقاط قابلة للاستبدال بجائزة قيّمة. لاحقاً، يمنح اللاعبون الباقون خيار محو أكبر قدر ممكن من مكافأة الشخص الآخر.

يقول ميغيل: "هذا مقياس مباشر للسلوك العدواني المعادي للمجتمع".

ويوضح أن تدمير مكاسب الشخص الآخر "هو عمل معادٍ للمجتمع بشكل كبير"، ومعيار للسلوك العدواني في العالم الحقيقي.

في الغرفة الباردة، اختار حوالي 1 من كل 7 طلاب تدمير مكاسب اللاعب الآخر.

أما في الغرفة الساخنة فقد اختار أكثر من 1 من كل 5 طلاب التدمير. وكانت النسبة أعلى بأكثر من 50 بالمئة مما كانت في الغرفة الباردة.

يلاحظ ميغيل أن ذلك يظهر "زيادة حادة جداً في السلوكيات المعادية للمجتمع" في الغرفة الساخنة.

العامل السياسي والاجتماعي

لكن الرابط بين الشعور بالحرّ والعنف لم يكن اعتباطياً تماماً. إذ إن عوامل أخرى في خلفية الطلاب المشتركين لعبت دوراً مهماً في هذه النتائج.

وأجريت هذه التجربة في خريف عام 2017 وسط موسم انتخابي مضطرب في كينيا كان منقسماً إلى حد كبير على أسس عرقية.

يقول ميغيل: "شعرَت المعارضة بالظلم حقاً وبأن الانتخابات سرقت منها. كانوا يحتجون وقاطعوا الانتخابات".

وكان من المرجح أن تؤدي الغرفة الساخنة إلى زيادة عدوانية الطلاب الذين ينتمون إلى المجموعة العرقية الأكثر ارتباطاً بتلك المعارضة المهمشة سياسياً.

عندما كانوا في الغرفة الباردة، لم يتصرف أولئك الطلاب بشكل مختلف عن الطلاب الآخرين. ولكن في الغرفة الساخنة، اختار أكثر من 1 من أصل 4 تدمير مكتسبات الآخرين.

وفي الوقت نفسه، لم يتأثر الطلاب من المجموعة العرقية التابعة للحزب الذي كان في السلطة آنذاك بوجودهم في الغرفة الساخنة.

ويحذر ميغيل من أنه نظراً إلى أن التجربة لم تكن مصممة في الأصل لاختبار ما إذا كان عرق الناس أو انتماءاتهم السياسية تلعب دوراً في تفاعلهم مع الحرارة، فهناك احتمال أكبر أن تكون هذه النتيجة مصادفة. ومع ذلك، كما يقول، نظراً إلى أن حجم العيّنة كان كبيراً جداً، "فهذه نتائج ذات دلالة إحصائية كبيرة".

ويقول ميغيل: "بالنسبة للأشخاص الذين يشعرون بالفعل بالظلم، فإن التعرض لدرجات حرارة قصوى يمكن أن يكون النقطة التي أفاضت الكأس"، وهو ضغط إضافي يدفعهم إلى العنف.

كذلك، أشار موقع الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية إلى أن علماء الاجتماع استطاعوا منذ تسعينيات القرن الماضي توضيح الرابط بين فقر بلد معيّن وارتفاع معدلات العنف فيه.

ويخلُص هذا الربط إلى أن ارتفاع الحرارة قد يؤثر في الفئات المهمشة والأشدّ فقراً أكثر بكثير من غيرها.

ويوضح ميغيل أن الكثير من الناس في البلدان الفقيرة يكسبون لقمة العيش من خلال أنشطة مثل الزراعة والرعي التي تجعلهم عرضة بشدة للصدمات المناخية.

وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع، فإن نوبة واحدة من سوء الأحوال الجوية يمكن أن تقضي على دخلهم، مما يؤدي إلى نوع من اليأس الذي يمكن أن يؤجج العنف.

بدورها، أكدت نينا هراري، الخبيرة الاقتصادية في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا هذه الفرضية، إذ وجدت في ورقة بحثية أنه عند تزامن موجات الحرّ مع الموسم الزراعي، تزيد حالات العنف بنسبة 8 بالمئة.

مع ذلك، يشير ميغيل إلى أن أبحاثاً أخرى في العلوم الاجتماعية وجدت أنه الحرارة ترتبط بالعديد من أنواع العدوانية التي لا حافز اقتصادي واضح لها، في دول متنوعة الدخل، بما في ذلك الولايات المتحدة. على سبيل المثال المزيد من الحدّة على وسائل التواصل الاجتماعي، استخدام أبواق السيارات، زيادة العراك في الملاعب الرياضية، وارتفاع معدلات القتل.

بالعودة إلى الأفراد، يزيد الطقس الحار من درجة حرارة الجسم، مما يؤدي بدوره إلى زيادة معدل ضربات القلب وضغط الدم.

ويمكن أن يؤدي ارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب إلى عدم الراحة، وهو ما يعزوه الباحثون إلى العلاقة بين الحرارة المرتفعة وزيادة الغضب والعنف.

وفي عام 2017، اكتشف علماء أن درجة الحرارة في فنلندا مرتبطة بكمية السيروتونين - وهي مادة كيميائية مهمة في الدماغ تنظم القلق والسعادة والمزاج العام – التي تنتشر في دم المتطوعين الأصحاء والمجرمين العنيفين. ووجدوا أيضاً صلة قوية بين هذا الإجراء ومعدل جرائم العنف الشهري.

بدورها، تظهر دراسة نُشرت في مجلة نيتشر أن ارتفاع درجات الحرارة تعدّل انتقال مادة السيروتونين في الدماغ والتي قد تزيد من الاندفاع ومستوى النشاط البشري العام، مما يؤدي إلى زيادة التفاعل الاجتماعي وخطر وقوع حوادث عنف.

وتشير دراسة عن الحرارة والعدوانية تعود إلى عام 1989 منشورة على موقع جمعية علم النفس الأمريكية إلى أن الطقس الحار يزيد من مستويات هرمون التستوستيرون لدينا، مما يجعلنا أكثر عدوانية.

في هذا السياق، يشهد صيف الولايات المتحدة زيادة في "عنف الشريك الحميم"، والذي يشمل الاعتداء الجسدي والجنسي والعاطفي بنسبة 12 بالمئة في الصيف مقارنة بالشتاء.

المصدر: بي بي سي عربي 

اضف تعليق