انتقد عدد من الخبراء الاقتصاديين، سياسة حكومة محمد شياع السوداني في التوظيف الحكومي.

وبدأت الحكومة منذ مطلع العام 2023 عبر تثبيت أكثر من 300 ألف متعاقد في وظائف حكومية، فضلًا عن فتح وظائف أمنية بين فترة وأخرى.

وعلى الرغم من أحاديث مختلفة لرئيس الحكومة، يقول فيها إن الدولة لا يمكنها توظيف كل الخريجين، إلا أنّ العملية ما زالت مستمرة. 

ويقول خبراء اقتصاديون إنّ فاتورة الموظفين من العقود والأجور اليومية وصلت أعلى درجاتها حيث بلغت أكثر من 60 تريليون دينار سنويًا

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي، ناصر الكناني، اتجاه الحكومة لتفعيل القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة هو الحل الوحيد للخلاص من استمرار أثقال دوائر الدولة بالوظائف الجديدة عبر تعيينات العقود والأجور اليومية مع عدم توفر قاعدة بيانات موحدة للدوائر الاتحادية وحتى إقليم كردستان.

وقال الكناني في تصريح لموقع قطري، إنّ "الحكومة مثقلة بالترهل الوظيفي، بالإضافة إلى أعداد المتقاعدين والفضائيين الموزعين على كافة دوائر الدولة، وكذلك عدم معرفة عدد موظفين كردستان".

وفي العراق، ففي كل سنة مطلوب تعيين ما لا يقل عن 800 ألف خريج، و200 ألف من غير الخريجين، وفق الكناني الذي رأى أنّ هذا "أدى إلى طلب التعيين بالضغط على المرشحين لعضوية مجلس النواب ومجالس المحافظات، بينما رئيس الحكومة أعلنها صراحة في حديثه عبر اللقاءات الصحفية قبل عدة أيام بعدم قدرة حكومته على تعيين المزيد".

وبحسب الكناني، فإنّ "الحل الوحيد يتمثل بتفعيل القطاع الخاص سواء بالزراعة أو الصناعة أو السياحة أو باقي المهن الأخرى"، فيما كشف عن تقديمه مشروع لـ"حل مشاكل العراق جذريًا يكون استنادًا للمادة 30 أولًا من الدستور، والتي تلزم الدولة بتكفل المرأة والطفل خاصة بالضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش من الدخل والسكن".

ويتضمن المشروع "بناء مليون و800 ألف وحدة سكنية، تقسم على 15 محافظة بواقع 120 ألف وحدة سكنية للمحافظة الواحدة في 10 مجمعات"، موضحًا أنّ "كل مجمع سيحتوي على 12 ألف وحدة سكنية متكاملة الخدمات ويضاف إليها منطقة صناعة وزراعية وخدمية وترفيهية ومدارس وجامعة ومستشفى".

ووفقا للكناني، فإنّ "فكرة المشروع تكون توزيع هذه الوحدات السكنية والمشاريع مجانًا على شكل شركات مساهمة تضامنية لكل 20 شخصًا حسب الاختصاص، وتربط المجمعات في سكة حديد وطرق حديثة رئيسية"، مضيفًا أنّ "التمويل لهذه المشاريع يكون بموجب إنشاء مصفى نفط بسعة 300 ألف برميل يوميًا لحين تسديد المبلغ.

وفي السياق ذاته، يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي، صفوان قصي، إنّ "تحليل الجدوى الاقتصادية من الموارد البشرية ضمن الوزارات الاتحادية تتضح حاجته الشديدة لنظرة مستدامة حول إمكانية دفع مستحقات العاملين في القطاع الحكومي، مبينًا أنه "يجب إعادة النظر بالوحدة الحكومية التي لا تستطيع تغطية النشاط لأنه يفترض تخفيض تكاليفها". 

وفي حديث لنفس الموقع، رأى قصي أنّ "فاتورة الموظفين من العقود والأجور اليومية وصلت أعلى درجاتها، حيث بلغت أكثر من 60 تريليون دينار سنويًا"، فيما أشار إلى أنّ "زيادة أعداد الموظفين في دوائر الدولة يجب أن لا يكون بطريقة رفع تكاليف الأنشطة التي تعتمد على الأموال من وزارة المالية".

وحذر الخبير من "رفع التكاليف الثابتة التي تتكبدها الدولة عبر زيادة أعداد هكذا نوع من الموظفين الأجور والعقود، لأن هذا التحدي قد لا يمكن مواجهته بحال انخفاض أسعار النفط"، داعيًا إلى "إعادة تأهيل الوحدات الحكومية ضمن برنامج استرداد التكلفة من داخل نشاطها، وتوجيه القوى العاملة باتجاهات توسع النشاط الحكومي واستثماره لإعادة بناء البلد وتقديم خدمات ذات جودة عالية".

ولفت إلى أنّ "صندوق النقد الدولي قد أشار في تقاريره الأخيرة بوضوح للمخاطر المترتبة من ارتفاع تكاليف الرواتب ضمن بند تعويضات الموظفين، ولذلك يجب البحث عن استدامة نشاطات الوحدات الحكومية وآليات مناسبة لتقديم خدمات بجودات عالية واسترداد تكلفتها ضمن مشروع لتقييم أداء تلك الوحدات في ظل ارتفاع تكاليفها".

ويعبر الخبير الاقتصادي، مناف الصائغ، عن "أسفه الكبير" لعدم إصغاء الحكومة للمقترحات التي يقدمها أصحاب الاختصاص بشأن الجانب الاقتصادي، فيما أشار إلى "وجود من هم حول المسؤول الحكومي ويقومون بمنع وصول الحلول المقترحة بأكثر من مناسبة للكثير من الأزمات". 

ويقول الصائغ لذات الموقع، إنّ "عودة الحكومة لموضوع تراكم الأجور اليومية والعقود والتعيينات بشكل عام لن يحل مشكلة العراق بل يزيد من التضخم، حيث سيؤدي إلى امتصاص ما يأتي لاحقًا من عوائد النفط".

وبالنسبة للصائغ، فإنّ "الحكومة لم تضع للتضخم الوظيفي حلولًا حقيقية بتنشيط القطاع الخاص، وجعله شريكًا فاعلًا في إدارة الاقتصاد العراقي لإبعاد الشباب عن الوظائف الحكومية عبر الاتجاهات الرئيسية، كالصناعية والزراعية والخدمية كالقطاعات المالية والإلكترونيات، إضافة لقطاع البناء والإسكان والتشييد".

واعتبر الصائغ أنّ "هذه القطاعات المذكورة بإمكانها سحب نسب البطالة الكبيرة عبر تنشيط القطاع الخاص ومنحه مساحات لإنشاء المصانع والمعامل والمشاريع الكبيرة التي ستكتسب قوة أيضًا للتصدير، كما تخفف من الضرر الانفاقي للدولة"، مؤكدًا أنّ "هذه المشاريع ستسحب حتى العاملين في مؤسسات الدولة، إذا وفرت البيئة القانونية والعمل السليم من حيث الأدوات والتنفيذ، وليس من هم عاطلون عن العمل، حيث ستمنح الرواتب المجزية، ولن تضغط على الدولة بالنفقات".

ويتحدث الصائغ عن "وجود بطالة واقعية في مؤسسات الدولة بتكدس أعداد موظفين يعرقلون المراجعين، وتقديم الخدمات لهم بدل إنجازها بسرعة، وهذا يحصل بغياب الأتمتة الإلكترونية"، كما دعا إلى "ضرورة دعم ريادة الأعمال بالنسبة للشباب عبر ندوات تثقيفية واجتماعات في الجامعات ليعرفوا ما سيفعلونه بعد التخرج، وعدم وضع الحكومة كاتجاه مشروط للحصول على الوظيفة، بل تأسيس مشاريع خاصة تنفعهم بشكل أكبر". 

ويعتقد الصائغ بـ"الحاجة لتأسيس صندوق يحفز الشباب ويساعدهم بتحويل أفكارهم لمشاريع، بعد دراسة جدوى لها من النواحي القانونية والمالية، ثم تمويلها بمبالغ 15 أو 20 أو 25 مليون دينار".

ويقول الصائغ إنه "يجب وجود إرادة حقيقية سياسيًا وحكوميًا باتخاذ القرارات في الدائرة الضيقة والاستماع للمختصين المستقلين المحايدين الذين لا ينتمون للأحزاب والجهات ذات المصالح، حيث يمكن تحقيق كل ذلك للشباب وإبعاد فكرة زيادة الأجور اليومية والعقود في دوائر الدولة خلال سنة واحدة فقط بحال تحقق ما سلف ذكره".

خ.س

اضف تعليق