أعاد تصريح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن اعترافه بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، ثم حديثه لاحقًا عن اكتشافه أن قيمتها تصل إلى “تريليونات الدولارات”، تسليط الضوء مجددًا على أحد أكثر القرارات الأميركية إثارة للجدل في الشرق الأوسط، لما يحمله من دلالات سياسية وقانونية تتجاوز لحظة اتخاذ القرار عام 2019.

وجاء الاعتراف الأميركي حينها مخالفًا للإجماع الدولي ولقرارات مجلس الأمن، التي تؤكد أن الجولان أرض سورية محتلة منذ عام 1967. إلا أن تصريحات ترامب اللاحقة كشفت طبيعة المقاربة التي حكمت القرار، والتي بدت أقرب إلى حسابات آنية قائمة على تحقيق مكاسب سياسية سريعة، من دون إطار استراتيجي طويل الأمد أو مراعاة للمرجعيات القانونية الدولية.

وتُعد هضبة الجولان ذات أهمية جيوسياسية بالغة، نظرًا لموقعها المرتفع المشرف على مناطق واسعة من جنوب سورية وشمال فلسطين المحتلة، إضافة إلى دورها في الأمن المائي وارتباطها بموارد طبيعية محتملة. ويشير محللون إلى أن التعامل مع هذه الأهمية بوصفها قيمة قابلة للتقدير المالي يعكس تحوّلًا في مقاربة السياسة الخارجية الأميركية خلال تلك المرحلة، حيث طغى منطق الصفقة والمقايضة على أدوات الدبلوماسية التقليدية.

وفي هذا السياق، أثارت عبارة ترامب التي قال فيها إنه “ربما كان ينبغي طلب شيء بالمقابل” تساؤلات حول الكيفية التي جرى بها التعامل مع قضايا السيادة، بوصفها أوراق تفاوضية يمكن توظيفها ضمن منطق الربح والخسارة، بدلًا من الالتزام بمبادئ القانون الدولي وأسس تسوية النزاعات.

قانونيًا، لا يغيّر الاعتراف الأميركي من الوضع القانوني للجولان، إذ يبقى خاضعًا لقرارات مجلس الأمن، ولا سيما القرار 497 الذي ينص على بطلان فرض القوانين والولاية الإسرائيلية على الهضبة. غير أن الخطورة، وفق متابعين، تكمن في البعد السياسي للقرار، وما يحمله من تأثيرات على منظومة الشرعية الدولية، عبر تكريس مبدأ فرض الأمر الواقع استنادًا إلى موازين القوة.

ويرى مراقبون أن هذا النموذج قد يفتح الباب أمام مقاربات مشابهة في نزاعات أخرى حول العالم، حيث يجري تجاوز الأطر القانونية الدولية لصالح اعتبارات سياسية واقتصادية آنية، ما يهدد بإضعاف النظام الدولي القائم على القواعد.

وفي القراءة الإعلامية، تعكس تصريحات ترامب اختزال قضية جيوسياسية معقدة بلغة الأرقام والقيمة السوقية، في مؤشر على تحوّل الخطاب السياسي من إدارة النزاعات إلى تسويق الجغرافيا باعتبارها أصلًا اقتصاديًا. وبين القرار الأميركي والتصريحات اللاحقة، يبرز الجولان مثالًا واضحًا على كيفية انتقال ملف السيادة من حيز القانون والسياسة إلى منطق الصفقة، بما يحمله ذلك من تداعيات إقليمية ودولية مستمرة.

متابعة وتحليل : انور مؤيد


س ع

 


اضف تعليق