في مدينة سبها الليبية، المعروفة بـعروس الجنوب، جرت وقائع تفكيك ثلاث شبكات إرهابية أعلن عنها جهاز الاستخبارات العامة في أغسطس (آب) الماضي، كاشفاً عن خيوطها الممتدة من الساحل الأفريقي وإليه.
قبل هذه الواقعة بخمسة أشهر، تحديداً في مارس (آذار) 2025، كانت السلطات الأمنية في غرب ليبيا قد أعلنت عن ضبط تنظيم إرهابي آخر، وبثّت اعترافات لبعض أعضائه، قالوا إنهم يتبعون حركة جهادية تُسمى نصر، وتحدثوا عن مخططات لتجنيد الشباب، وتصنيع المسيّرات.
هناك، وعلى طول الشريط الممتد لدول جنوب الصحراء الكبرى، وعبر بلدان تتراوح بينها المسافات لتصل أحياناً إلى 2300 كلم، تتصاعد ضربات التنظيمات الإرهابية في عمليات متسارعة يرى عمر المهدي بشارة، أحد المتمردين التشاديين القدامى، أنها تستهدف إخضاعها لحسابات قوى دولية؛ واستخدام سكانها الذين يعانون الفقر والتخلّف.
وصرح بشارة، وهو رئيس جبهة الخلاص التشادية (MSNT) الى وسائل الاعلام الرسمية عن أن المستعمر القديم يشرف من بعيد على رسم خريطة جديدة للساحل والصحراء بالدم، وعينه على مكامن الثروة.
وتمتد منطقة الساحل من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر.
واستناداً إلى الجغرافيا والمناخ، فإن مناطق الساحل الأفريقي تضم شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ومالي، وجنوب الجزائر، والنيجر، وتشاد، وجنوب السودان، وإريتريا.
وتميل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى اعتماد تعريف أوسع يشمل موريتانيا والسنغال ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا والكاميرون وتشاد.
ولا تعني كلمة الساحل هنا ساحل البحر، بل الحافة، أي الشريط الجغرافي الممتد جنوب الصحراء الكبرى من المحيط الأطلسي غرباً (عند موريتانيا والسنغال) إلى البحر الأحمر شرقاً (عند السودان وإريتريا.
وبقدر ما تمددت التنظيمات الإرهابية على طول الساحل، بقدر ما تورّطت في إراقة الدماء عبر عمليات مسلّحة استهدفت عسكريين ومدنيين خلال العقد الماضي، قُدرت حصيلتها وفق مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأكثر من 150 ألف قتيل.
وقبل التطرق إلى خريطة هذه التنظيمات بالشكل الذي يلخّصه بشارة بأنه كابوس يجثم على صدر منطقة منسية من التنمية، لا بد من الإشارة إلى تطور نوعي في استخدام هذه الجماعات للتقنيات الحديثة بشكل متزايد، بجانب زحفها خارج حواضنها الريفية المهمشة إلى المدن.
فالتنظيمات التي طالما اقتاتت على جهل المجتمعات الفقيرة، بدأت تلجأ اليوم إلى الذكاء الاصطناعي، متجاوزةً قدرات بعض خصومها النظاميين المتمسكين بالبندقية والمدفع والطائرات الحربية التقليدية.
وسط تنافس دموي على النفوذ والمجنّدين والموارد، بات يلاحظ اعتماد داعش في غزواته على ولايات غرب، ووسط أفريقيا، والصحراء الكبرى، بينما القاعدة يتحرك بمرونة عبر تحالفات محلية مع نصرة الإسلام والمسلمين وأنصار الدين.
فـالقاعدة وداعش بات لهما وكلاء محليون، ومع تصاعد مظالم المواطنين ضد النظم الحاكمة الجديدة، تمكّنت هذه التنظيمات من التغلغل في النسيج الاجتماعي واللعب على وتر الفقر، وهذا ما يفسّر جانباً من تناميها الملحوظ، حسبما يقول فارح والي من الصومال.
وفي مناطق عدة بدول الساحل تتبنى القاعدة، وفق تقرير صادر عن فريق الرصد الأممي في يوليو (تموز) 2025، المظالم المحلية وأقلمة سردياتها لتملّق المجتمعات المحلية، وساعدت هذه البراغماتية الآيديولوجية في توسيع رقعة الأراضي الخاضعة لها.
لغة الدم والمصالح
مخاطر جمة تنذر بكارثة ليس فقط لكثرة الهجمات وارتفاع مؤشر القتل، لكن لأسباب تتعلق بـبراغماتية هذه التنظيمات التي تتحرك على رمال ساخنة مشحونة بالصراعات، في التعامل مع المواطنين، وكسب مجندين جدد في قتالها العنيف.
وبعكس المتوقع، تكشف تصرفات داعش والقاعدة آيديولوجيات متباينة، يراها الأكاديمي الموريتاني والباحث في شؤون الساحل والصحراء والجماعات المسلحة محمدن أيب، خليطاً من السلفية الجهادية العالمية، والاستغلال المحلي للنزاعات العرقية والقبلية، ومصالح اقتصادية قائمة على التهريب والابتزاز.
ففي مقابل مَيل القاعدة وفروعها إلى التأقلم مع البيئة المحلية في دول الساحل وكسب ودّ القبائل، يرفض داعش المساومات الشعبية، ويتمسك بـالخلافة والولاء المركزي، في إطار أكثر تشدداً ودموية.
ومن واقع معايشته في دول عدة بالساحل، يروي المواطن السوداني عبد الغني إسماعيل مشاهدته لتحركات التنظيمات الإرهابية، ويقول: هم يحاولون فرض أنفسهم على أي جغرافيا يعيشون عليها، لتحقيق أهدافهم بالوصول إلى السلطة.
المصدر : وكالات
س ع



اضف تعليق