تقارير_ وكالة النبأ

هذه واحدة من أكثر العمليات الانتخابية حساسية منذ عام 2003، المحافظات العراقية تستعد، والبنايات المدرسية تؤجل احتضانها لأبنائها الى ما بعد 11 تشرين الثاني، حيث المنازلة الكبرى لأكثر من 21 مليون ناخب سيقولون من هم الـ 329 نائباً المعوّل عليهم تشكيل مجلس النواب الجديد.

تأتي هذه الانتخابات وسط أجواء أمنية مشددة وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة، في ظل تصاعد المطالب بإصلاح النظام السياسي واستعادة الثقة الشعبية بالمؤسسات.

نظام انتخابي ضخم واستعدادات تنظيمية واسعة

أفادت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات انها هيأت 8703 مركز اقتراع موزعة في عموم المحافظات، لاستقبال الناخبين، بينهم 1.3 مليون من القوات الأمنية ونزلاء السجون والمستشفيات صوتو أمس الأحد ضمن التصويت الخاص.

ويخوض السباق الانتخابي أكثر من 7700 مرشح بينهم 2250 امرأة، يتنافسون على 329 مقعداً، منها 83 مخصصة للنساء وفق نظام الكوتا.

كما يشارك في المنافسة أكثر من 400 حزب و140 تحالفاً سياسياً، فيما حُرم نحو سبعة ملايين مواطن من التصويت لعدم امتلاكهم بطاقات بايومترية بسبب عدم تحديث بياناتهم الانتخابية.

خطط ميدانية واضحة ومحكمة

وأكد الفريق الركن وليد التميمي، قائد عمليات بغداد ورئيس اللجنة الأمنية الفرعية للانتخابات، أن القوات العراقية أعدت خطة أمنية شاملة لتأمين العملية الانتخابية من لحظة فتح المراكز وحتى إعلان النتائج.

وأشار إلى، أن الخطة تشمل أطواقاً أمنية متعددة حول المراكز، ونشر مفارز ثابتة ومتحركة، إضافة إلى حماية المرشحين والناخبين من أي تهديد محتمل، مؤكداً أن القوات جاهزة لضمان اقتراع آمن ونزيه يعبر عن إرادة العراقيين.

رقابة وضبط لمصادر الانفاق

من جانبها، شددت المتحدثة باسم المفوضية نبراس أبو سودة على، أن المفوضية تطبق نظاماً محكماً لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية وضبط مصادر الإنفاق.

وأوضحت، أن سقف الإنفاق يحدد وفق معادلة تعتمد على عدد الناخبين في المحافظة، بواقع 250 ديناراً لكل ناخب، سواء للمشاركة الفردية أو ضمن قائمة.

وسجلت المفوضية أكثر من 540 مخالفة انتخابية، تمت معالجتها فوراً دون تأثير على سير العملية.

كما أكدت أن البيانات البايومترية مؤمنة بالكامل، وأن هناك أكثر من ألف مركز تسجيل لمتابعة أي خرق أو تسريب محتمل.

الانتهاكات تجابه بقانون صارم

ويؤكد خبراء القانون أن قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2023 وضع ضوابط صارمة تمنع استخدام أموال الدولة أو النفوذ الوظيفي أو الخطاب الطائفي في الحملات.

وتملك المفوضية صلاحية إلغاء ترشح أي مخالف وتحويل قضيته إلى القضاء، فيما تصل العقوبات إلى السجن لعام كامل وغرامة قد تبلغ 50 مليون دينار لمن يثبت تجاوزه القانون.

المشهد السياسي والتحالفات المتنافسة

تحتدم المنافسة في المشهد العراقي بين قوى الإطار التنسيقي التي تضم ثماني تحالفات شيعية، أبرزها دولة القانون والفتح والعقد الوطني، وبين تحالف الإعمار والتنمية بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الساعي إلى ولاية ثانية.

أما القوى السنية فتدخل المعركة عبر تحالفات متعددة، منها تقدم بزعامة محمد الحلبوسي والسيادة بزعامة خميس الخنجر.

وفي إقليم جنوب كردستان الفيدرالي، يتنافس الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني، إلى جانب قوى لأخرى مثل الجيل الجديد والاتحاد الإسلامي وحركة التغيير.

ويغيب التيار الصدري عن هذه الدورة بعد إعلانه مقاطعة الانتخابات احتجاجاً على ما وصفه بـ"استمرار الفساد السياسي"، ما ترك فراغاً ملحوظاً في المشهد الشيعي.

عزوف شعبي وتحديات الثقة

وتامل الأوساط المراقبة أن لا تكون نسبة المشاركة أدنى من الانتخابات الماضية 2021، بسبب ما وصفته بالإحباط الشعبي من الأداء السياسي والاقتصادي.

ويرى محللون أن ضعف الثقة بالمؤسسات، واستمرار نفوذ السلاح، وغياب الإصلاحات الجادة، عوامل تهدد بتراجع الإقبال، فيما تراهن القوى المدنية والشابة على إحداث خرق في المشهد التقليدي.

خلفية تاريخية

منذ عام 2003، شهد العراق خمس انتخابات عامة كان آخرها في تشرين الأول 2021، التي أفرزت برلماناً منقسماً انتهى بتشكيل حكومة السوداني بعد أزمة سياسية طويلة.

أما انتخابات 2025 فهي الاقتراع السادس منذ تأسيس النظام البرلماني الاتحادي، وتُجرى وفق نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة، بعد إلغاء نظام الدوائر المتعددة الذي طُبق سابقاً.

طبيعة النظام الانتخابي في العراق

يعتمد العراق نظاماً برلمانياً تمثيلياً تعددياً، يمنح الناخب حق اختيار ممثليه في مجلس النواب البالغ 329 مقعداً.

وتعد كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، ويتنافس المرشحون إما بشكل فردي أو ضمن قوائم حزبية، وتوزع المقاعد وفق نظام سانت ليغو المعدل (1.7).

كما يخصص الدستور 25% من المقاعد للنساء، إلى جانب مقاعد للأقليات الدينية والقومية.

ويُنتخب رئيس الجمهورية داخل البرلمان، فيما تُكلف الكتلة الأكبر بتسمية رئيس الوزراء، ما يجعل النظام قائماً على التوافق والتوازن بين المكونات أكثر من كونه تنافساً حزبياً خالصاً.

نظام "سانت ليغو" المعدل

نظام سانت ليغو هو طريقة رياضية لتوزيع المقاعد البرلمانية بشكل نسبي عادل، تمنح كل حزب عدداً من المقاعد يتناسب مع الأصوات التي حصل عليها.

ابتُكر النظام في ثلاثينيات القرن الماضي على يد العالم الفرنسي أندريه سانت ليغو، ويهدف إلى منع احتكار السلطة وضمان تمثيل أوسع للقوى السياسية.

في العراق، يُستخدم النظام المعدل بمعامل 1.7، بحيث تُقسم أصوات كل قائمة على الأرقام الفردية (1.7، 3، 5، 7...) وتُمنح المقاعد حسب أعلى الأرقام الناتجة.

رفع المعامل من (1) إلى (1.7) يحد من فرص القوائم الصغيرة جداً، ويمنح أفضلية نسبية للأحزاب الكبرى بهدف تحقيق استقرار سياسي أكبر ومنع تشتت البرلمان.

التحديات أمام الحكومة المقبلة

من غير المتوقع أن تُحدث الانتخابات تغيراً جذرياً في المشهد السياسي، إذ يبقى تشكيل الحكومة مرهوناً بالتوافقات الطائفية التي تُحدد توزيع المناصب العليا بين المكونات.

وتواجه الحكومة المقبلة ملفات ثقيلة تشمل مكافحة الفساد، تحسين الخدمات، معالجة البطالة، وإعادة الثقة بالمؤسسات، إلى جانب ضبط السلاح وتعزيز العلاقات الخارجية.

رغم أن انتخابات 2025 تمثل محطة جديدة في المسار الديمقراطي العراقي، إلا أن جوهر الأزمة السياسية في البلاد لا يبدو مرتبطاً فقط بآلية الاقتراع أو نزاهة التنظيم، بل بطبيعة النظام السياسي ذاته الذي ما زال يقوم على التوافق والمحاصصة بدل المنافسة البرامجية.


م.ال

اضف تعليق