متابعة – وكالة النبأ

تعيش إيران على وقع أزمة مائية غير مسبوقة تهدد استقرارها الداخلي وتفتح الباب أمام نزاعات إقليمية حول الموارد المشتركة.

فبعد أعوام من التحذيرات البيئية، بات شبح انقطاع المياه والكهرباء واقعاً يومياً في العاصمة طهران، بينما تئنّ الأرياف تحت وطأة الجفاف وتدهور الزراعة، ما دفع آلاف العائلات إلى النزوح نحو المدن المكتظة أساساً بالبنى التحتية الضعيفة.

ووفق مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط، فإن الأزمة تجاوزت الطابع البيئي لتتحول إلى مسألة سياسية واجتماعية تهدد شرعية النظام الإيراني وتطرح تساؤلات حول قدرته على إدارة الموارد في ظل التغير المناخي والعقوبات الاقتصادية.

سياسات خاطئة وتناقض في الأولويات

منذ عام 1979، اعتمدت طهران شعار “الاكتفاء الذاتي الغذائي” باعتباره جزءاً من أمنها القومي، ما أدى إلى استهلاك الزراعة لأكثر من 90% من الموارد المائية في بلد يعاني من طبيعة قاحلة.

ومع تجاوز عدد السكان 91 مليون نسمة، تضاعف الضغط على المياه في ظل إدارة تفتقر إلى الاستدامة.

كما مثّلت مشاريع بناء السدود رمزاً للتنمية والسيادة بعد الثورة، لكنها تحولت إلى عبء بيئي بعد أن تسببت في تبخر كميات ضخمة من المياه وتراجع المخزون الجوفي.

وتزايد الاعتماد على الضخ الجوفي نتيجة دعم الطاقة الرخيصة، مما أدى إلى انخفاض حاد في منسوب الآبار واستنزاف المخزون غير المتجدد، في سياسة وصفها خبراء بأنها “ترحيل للأزمة إلى الأجيال المقبلة”.

جبهات مائية مشتعلة مع الجيران

الأزمة المائية في إيران لم تعد داخلية فقط؛ إذ تزداد التوترات مع أفغانستان بسبب نهر هلمند الذي تعتمد عليه محافظات سيستان وبلوشستان، بعدما تسببت السدود الأفغانية في جفاف بحيرات “الهامون” التاريخية واندلاع احتجاجات واسعة واجهتها السلطات بالقوة.

وقال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية مؤخراً، إن زيارته إلى كابول هدفت إلى معالجة القضايا الحساسة، وفي مقدمتها تقاسم المياه وفق “معاهدة 1973” التي لم تعد تفي بمتطلبات الواقع.

كما يتأثر نهر هريرود الذي يغذي مدينة مشهد بمشروعات أفغانية جديدة حدّت من تدفق المياه نحو خزان “دوستي” المشترك مع تركمانستان.

ويؤكد المقال، أن “طالبان” تستخدم المياه كورقة ضغط سياسي، وسط غياب اتفاق ثلاثي يعالج الأزمة.

أما غرباً، فتتقاطع الأزمة مع مشروع الأناضول التركي الذي خفض حصة العراق من نهري دجلة والفرات، ما أدى إلى أزمات بيئية وصحية متلاحقة.

واتهم العراق بدوره إيران بإقامة سدود على روافد دجلة تقلص من تدفق المياه إليه، لتبقى المنطقة رهينة صراع معقّد تتداخل فيه حسابات المياه مع النفوذ السياسي والأمني.

تغير مناخي يفاقم الانهيار

منذ تسعينيات القرن الماضي، شهدت إيران انخفاضاً في معدلات الأمطار بنحو 30 مليمتراً، وارتفاعاً في درجات الحرارة بمقدار 1.7 درجة مئوية.

هذا التغير المناخي أدى إلى ذوبان مبكر للثلوج التي تغذي الأنهار، ما يقلل من المياه المتاحة في الصيف ويزيد الطلب في وقت الذروة.

ومع تفاقم الجفاف، تتراجع الزراعة ويتزايد النزوح الداخلي نحو المدن الكبرى، ما يخلق أحياء عشوائية تعاني من ضعف الخدمات وارتفاع معدلات الفقر والتوتر الاجتماعي.

كما تراجع إنتاج الكهرباء المائية بسبب انخفاض منسوب السدود، بينما يحتاج قطاع الطاقة الحرارية إلى كميات ضخمة من المياه للتبريد، ما يجعل أزمتي الماء والطاقة متداخلتين.

وتحولت المياه إلى محرك احتجاجي متكرر في السنوات الأخيرة، خصوصاً في محافظتي خوزستان والأهواز، حيث خرج السكان للمطالبة بحقهم في المياه.

وغالباً ما تتحول هذه التظاهرات إلى مطالب سياسية أوسع تعكس تراجع الثقة بالحكومة، رغم محاولات النظام تهدئة الشارع بخطابات وطنية مؤقتة.


المصدر: الشرق الأوسط

م.ال

اضف تعليق