فرضت العقوبات الأميركية قيوداً صارمة جعلت من شبه المستحيل تسديد أثمان النفط الإيراني، غير أن لورنس نورمن كتب في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الصين وجدت طريقة لفعل ذلك، في ترتيب ظل إلى حد كبير طي الكتمان.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن هذه القناة المالية السرية عمقت العلاقات الاقتصادية بين الخصمين الرئيسين للولايات المتحدة، متحديةً جهود واشنطن لعزل النظام الإيراني.

ووفقاً لمسؤولين حاليين وسابقين في عدد من الدول الغربية، بينها الولايات المتحدة، فإن هذا النظام يشبه المقايضة ويعمل على النحو التالي: تصدر إيران نفطها إلى الصين التي تعد أكبر زبائنها، مقابل تنفيذ شركات صينية حكومية مشاريع بنية تحتية داخل إيران، ويأتي هذا التقرير في وقت تبيع فيه إيران نفطها إلى الصين بأسعار منخفضة جداً.

ويقول هؤلاء المسؤولون إن الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة تتولاها شركة تأمين صينية مملوكة للدولة، تعرف نفسها بأنها أكبر وكالة تأمين على ائتمان الصادرات في العالم، إلى جانب مؤسسة مالية صينية توصف بأنها شديدة السرية لدرجة أن اسمها لا يرد في أي قائمة عامة للبنوك أو المؤسسات المالية في الصين.

هذا النظام، الذي يلتف على النظام المصرفي الدولي، وفر شريان حياة لاقتصاد النظام الإيراني الخاضع لضغوط شديدة بسبب العقوبات، ووفقاً لبعض المسؤولين، جرى تحويل ما يصل إلى 8.4 مليار دولار من عائدات النفط الإيراني خلال العام الماضي عبر هذه القناة، لتمويل مشاريع بنية تحتية ضخمة تنفذها الصين داخل إيران.

وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إيران صدرت خلال العام الماضي ما يقارب 43 مليار دولار، معظمها من النفط الخام، ويقدر مسؤولون غربيون أن نحو 90 في المئة من هذه الصادرات كانت موجهة إلى الصين.

ومنذ عام 2018، حين انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وأعاد فرض العقوبات، أصبحت الصين المشتري الرئيس للنفط الإيراني.

وبعد أسبوعين فقط من عودته إلى البيت الأبيض، أصدر ترمب توجيهاً بتنفيذ سياسة الضغط الأقصى، بهدف إرغام طهران على تقليص برنامجها النووي ووقف دعمها للجماعات المسلحة الحليفة لها، وكان الهدف من تلك السياسة هو خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.

ومنذ ذلك الحين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بعض الأفراد والكيانات الصينية الصغيرة، لكن صادرات النفط الإيراني إلى الصين استمرت تقريباً من دون انقطاع.

التحايل السري على العقوبات

يعتمد هذا النظام، الذي تبادل فيه شحنات النفط الخام الإيراني مقابل مشاريع بنية تحتية تنفذها الصين، على طرفين رئيسين: شركة التأمين الحكومية الصينية الكبرى "سينوشور"، وآلية مالية مقرها الصين يشار إليها من قبل المسؤولين باسم "تشوكسي".

وتشكل فهم المسؤولين لهذا النظام استناداً إلى وثائق مالية وتقييمات استخباراتية واتصالات دبلوماسية.

وقالت بعض المصادر إن في هذا النظام، تسجل شركة تابعة لإيران بيع النفط لمشترٍ صيني تحت سيطرة شركة حكومية صينية تدعى Zhuhai Zhenron، تستهدفها العقوبات الأميركية.

وعلى الجانب الآخر، يحول المشتري الصيني مئات الملايين من الدولارات شهرياً إلى شركة Chuxin، التي تدفع بدورها هذه الأموال للمقاولين الصينيين العاملين في مشاريع هندسية في إيران، حيث تغطية تمويل هذه المشاريع من قبل شركة التأمين "سينوشور"، وتعد هذه الشركة بمثابة الرابط المالي الذي يحافظ على تواصل المشاريع.

ولا تظهر شركة Chuxin ضمن نحو 4300 مؤسسة مصرفية مسجلة لدى الجهة الرقابية الرئيسة لصناعة البنوك في الصين، كما لا توجد في أي قوائم رسمية للمؤسسات المالية أو سجلات الشركات.

وأوضح مسؤولون أميركيون وخبراء في القطاع أن النفط الخام الإيراني يسلك مساراً غير مباشر لإخفاء مصدره، يتضمن عمليات نقل من سفينة إلى أخرى وأحياناً خلطه مع نفط دول أخرى.

شركة بكين للتأمين

"سينوشور" التي تعرف رسمياً باسم "تأمين صادرات وائتمان الصين"، هي أداة مالية تابعة للحكومة المركزية الصينية لدعم أولويات التنمية الدولية لبكين، وهو دور ذو أهمية خاصة في دول مثل إيران.

ووفقاً للبيانات، دعمت الشركة حتى نهاية العام الماضي أكثر من 9 تريليونات دولار من الأنشطة التجارية والاستثمارات حول العالم.

في إيران، غالباً ما تكون المشاريع الصينية للبنية التحتية مشاريع ضخمة تحت إشراف الدولة، تشمل المطارات والمصافي ومشاريع النقل، وتدار من قبل أكبر البنوك وفرق الهندسة الحكومية الصينية.

وبحسب بيانات معهد AidData التابع لجامعة ويليام وماري في فيرجينيا، قدمت الصين بين عامي 2000 و2023 تعهدات مالية تجاوزت 25 مليار دولار لبناء البنية التحتية في إيران، وكان لشركة "سينوشور" دور مباشر في 16 من أصل 54 صفقة موثقة.

تستخدم الولايات المتحدة عقوبات مستهدفة ضد الشركات الصينية، في حين لم تدرج أي شركة أو بنك صيني كبير على قائمة العقوبات لمجرد قيامهما بأعمال غير عسكرية في إيران، ولم تعثر على أي أدلة عامة تربط شركة "سينوشور" مباشرة بنظام "النفط مقابل البناء" في إيران.

ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن وزارة الخارجية الصينية، في ردها على استفسارات، أنها غير مطلعة على مثل هذا الترتيب، وتعارض العقوبات الأحادية غير القانونية، مؤكدة أن التعاون الطبيعي بين الدول مسموح به وفقاً للقوانين الدولية، ولم تصدر بعثة النظام الإيراني لدى الأمم المتحدة أي تعليق في هذا الشأن.

مشاريع البنية التحتية الصينية في إيران

وفقاً لتقرير صحيفة "وول ستريت جورنال"، وبحسب التفاصيل التي نشرها معهدAidData تشمل مشاريع البناء الصينية في إيران تطوير مطار طهران الدولي.

وقال مدير معهد AidData برد باركس إن إطار عمل الصين في إيران يحتمل أن يكون مشابهاً لاتفاق "سينوشور" الموثق في العراق، الذي يدعم من خلاله الشركة القروض الصينية للمشاريع الصينية مقابل النفط، وفق اتفاق يمتد لـ20 عاماً، وأضاف أنه "يجب أن يكون كل دائن وكل مقاول بناء تحت مظلة هذا الاتفاق".

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن إيران يمكنها أيضاً إعادة جزء من عائدات بيع النفط من خلال شراء السلع مباشرة من الصين.

ومن جانبه، قال نائب وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والمعلومات المالية، جان كي هارلي، الشهر الماضي خلال إعلان عقوبات ضد أفراد وكيانات في الإمارات وهونغ كونغ بسبب تنسيق نقل الأموال إن "الجهات الإيرانية تعتمد على شبكات مصرفية لتفادي العقوبات وتحويل ملايين الدولارات".

ووفقاً للصحيفة، لم تخضع الشركتان الصينيتان حتى الآن لعقوبات أميركية، ولم تصدر وزارة الخزانة الأميركية أي تعليق في شأن تفاصيل أنشطة هذه الكيانات الصينية.


وكالات



س ع


اضف تعليق