في جناحٍ معزول داخل سجن الصناعة سيئ السمعة في شمال شرق سوريا، يقف حرّاس ملثمون في ممر ضيق تصطف على جانبيه الزنازين. من فتحة صغيرة في أحد الأبواب يطلّ سجينٌ بوجهٍ شاحب يسأل صحافياً زائراً: هل ما زال بايدن رئيساً للولايات المتحدة؟ لم يتلقّ أي إجابة. فالتعليمات مشدّدة: لا يحق لأي صحافي أو حارس إعطاء السجناء أي معلومة مهما بدت بسيطة.
يعكس هذا التعتيم الكامل استراتيجية واضحة: كلما قلّت معرفة السجناء بالعالم الخارجي، زادت قدرة السلطات على ضبطهم، خصوصاً أن كثيرين منهم لا يعلمون حتى أن بشار الأسد لم يعد في السلطة، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال.
أفراد من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد يقفون حراساً خارج سجن الصناعة في الحسكة سوريا 18 يناير 2025
سجون قابلة للانفجار
سجن الصناعة هو واحد من أكثر من عشرين مركز احتجاز ومعسكراً في شمال شرق سوريا، تديرها «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بدعم من التحالف الدولي. هذه المنشآت تضم أكبر تجمع عالمي لمقاتلي تنظيم «داعش» وعائلاتهم منذ هزيمة التنظيم عام 2019. ويُعدّ سجن الصناعة مقراً لأخطر العناصر.
لكن هذا الواقع يشكّل اليوم معضلة أمنية ضخمة في سوريا ما بعد الأسد. فقد حذّر قادة عسكريون أميركيون وخبراء أمنيون من أن هذه السجون قابلة للانفجار في أي لحظة، إذ يقوم داعش بإرسال الدعاية والرسائل إلى السجناء لتحريضهم، بينما تتزايد محاولات الهروب في مخيم الهول الأكبر في المنطقة.
هواجس من تكرار الكارثة
قبل ثلاث سنوات، شنّ عناصر داعش هجوماً ضخماً على سجن الصناعة، ما أدى إلى معركة استمرت أسبوعاً بمشاركة القوات الأميركية وقسد، انتهت بمقتل أكثر من 500 شخص وهروب مئات السجناء. لذلك يتمسّك المسؤولون اليوم بسياسة حجب المعلومات تماماً عن أخطر المعتقلين.
يضمّ هذا الأرخبيل من السجون ما يقارب 8400 مقاتل من 70 دولة وأكثر من 30 ألف امرأة وطفل من عائلات التنظيم أو من المتهمين بدعمه. نصف هذا العدد تقريباً من الأجانب، و60 في المائة منهم أطفال، كثيرون دون سنّ الثانية عشرة. وتصف القيادة المركزية الأميركية هؤلاء بأنهم جيش (داعش) داخل الاحتجاز.
مخيم الهول: بؤرة التطرّف الأخطر
يبعد مخيم الهول نحو 32 كم عن السجن، ويضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال في ظروف وصفتها الأمم المتحدة بـ«اللاإنسانية». وقد تراجع التمويل الأميركي هذا العام، مع قطع ما لا يقل عن 117 مليون دولار من المساعدات المخصّصة للصحة والدعم النفسي والتعليم، ما جعل الأطفال أكثر عرضة للتطرف، وفق إدارة المخيم.
وقد أصبح المخيم أرضاً خصبة لنشاط خلايا التنظيم. ففي 2024، تمكن عنصر من داعش من التسلل إلى الهول وتنظيم هروب لعناصر، كما أعاد تفعيل خلية أنصار العفيفات المتخصصة في التجنيد وجمع المعلومات داخل المخيم.
تتزايد الهجمات والاغتيالات ومحاولات الفرار، فيما تحذّر التقارير الأممية من أن تنظيم داعش يدفع بدعاية متطورة عبر الهواتف داخل المخيمات، ويَعِدُ النساء والأطفال بأن إنقاذهم قادم قريباً. وتنتشر رسائل صوتية تدعو إلى القتال والانتقام.
عبء دولي لا يريد أحد تحمّله
رغم النداءات الأميركية المتكررة، ترفض معظم الدول استعادة مواطنيها من المخيم خشية المخاطر الداخلية. وحذّر قادة التحالف من أن كل يوم يمرّ من دون إعادة هؤلاء يُفاقم الخطر على العالم كله.
تظل هذه السجون والمخيمات، الممتدة وسط صحراء وعرة في أقصى الشمال الشرقي السوري، قنابل موقوتة. ومع ضعف التمويل والانقسامات السياسية وتصاعد نفوذ داعش داخل الاحتجاز، يبدو أن الخطر يتجاوز حدود سوريا، ليصبح قضية أمنية دولية لا تزال بلا حل.
المصدر : الشرق الاوسط



اضف تعليق