شهد إقليم كردستان، خلال الساعات الماضية، تصعيداً خطيراً في سلسلة الاحتجاجات التي تقودها عشيرة الهركي، على خلفية ما اعتبرته نكثاً للوعود من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، الأمر الذي فجّر غضباً واسعاً وتحوّل إلى مواجهات دامية وأسفر لاحقاً عن إحراق مقر للحزب في قضاء خبات.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان من أبناء العشيرة، فإن التوتر بدأ بعد شعور عشيرة الهركي بأنها قدّمت دعماً انتخابياً واسعاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، بعد تفاهمات غير معلنة جرى الحديث عنها داخل الأوساط العشائرية، تنصّ على منح العشيرة ثلاثة مقاعد نيابية مقابل تصويت أفرادها للحزب.
وتشير روايات أبناء الهركي إلى أن الأصوات التي قدّموها رفعت من نسبة تمثيل الحزب في مناطق متفرقة من الإقليم، غير أنّ الحزب – بحسب قولهم – لم يلتزم بتنفيذ الاتفاق، ما اعتبروه تراجعاً عن العهد وإهانة عشائرية لا يمكن السكوت عنها.
الأجواء المشحونة سرعان ما تحولت إلى احتجاجات واسعة خرج خلالها المئات من أبناء العشيرة في مناطق تتواجد فيها عشيرة الهركي بكثافة، رافعين شعارات تتهم قيادة الحزب الديمقراطي بخيانة الوعود ومصادرة حقوقهم السياسية".
وتدخلت قوات الأمن في محاولة للسيطرة على الوضع، إلا أنّ الاحتجاجات أخذت منحى تصعيدياً بعد تسجيل عمليات كرّ وفرّ، وتبادل للرشق بالحجارة، ثم وقوع احتكاكات مباشرة أدت إلى اندلاع مواجهات دامية.
ووفق مصادر طبية وأمنية، فقد أسفرت الاشتباكات عن سقوط قتلى وجرحى من المحتجين ومن القوات الأمنية على حدّ سواء.
ولم تعلن السلطات في إقليم كردستان حتى الآن الإحصائية النهائية لأعداد الضحايا، فيما تحدثت مصادر محلية عن أكثر من قتيل وعدد كبير من الجرحى.
وتسببت هذه الأحداث بحالة توتر غير مسبوقة، وسط انتشار مكثف لقوات الأمن وإقامة نقاط تفتيش إضافية في الطرق المؤدية إلى المناطق التي تشهد اضطرابات.
وفي تطور لافت اليوم، اقتحم أفراد غاضبون من عشيرة الهركي مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في قضاء خبات، وأضرموا فيه النيران، ما أدى إلى تدميره جزئياً قبل تدخل فرق الإطفاء لإخماد الحريق.
ووثّقت مقاطع مصوّرة انتشرت على منصات التواصل لحظة اشتعال المبنى وتصاعد ألسنة اللهب منه، بينما كانت الجموع تهتف ضد الحزب وتحمّله مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع.
مصادر داخل حكومة الإقليم أكدت أن "السلطات تتابع الوضع عن كثب"، فيما أشارت إلى "تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث العنف والوعود الانتخابية التي فجّرت الأزمة، إضافة إلى التحقيق في ملابسات استخدام القوة وما نتج عنه من ضحايا".
كما صدرت دعوات من شخصيات سياسية بارزة في الإقليم إلى ضبط النفس وتغليب لغة الحوار، معتبرين أن "أي صراع داخلي سيساهم في زيادة التوتر ويهدد السلم الأهلي".
توتر قابل للتصعيد… أم للتهدئة؟
حتى اللحظة، لا تزال الأجواء مشحونة، خصوصاً في مناطق التماس بين عشيرة الهركي وقوات الأمن، وسط تخوّف من امتداد الاشتباكات إلى مناطق أخرى، ما لم تُقدَّم خطوات تهدئة حقيقية، سواء عبر فتح قنوات تفاوض مباشرة مع العشيرة أو عبر إصدار بيان رسمي من الحزب الديمقراطي يوضح موقفه من ملف الوعود الانتخابية.
ويرى مراقبون أن الحادثة تمثل أخطر مواجهة داخلية يشهدها الإقليم منذ سنوات، لأنها تتعلق بعاملين حسّاسين وهما النفوذ العشائري من جهة، ومكانة الحزب الديمقراطي الكردستاني كأكبر قوة سياسية في الإقليم من جهة أخرى.
ويعتبر ما حدث بين عشيرة الهركي والحزب الديمقراطي ليس مجرد احتجاج عابر، بل أزمة ثقة كبيرة تتداخل فيها السياسة بالنفوذ العشائري وتوازنات القوى في إقليم كردستان.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن المعالجة لا يمكن أن تكون أمنية فقط، بل تحتاج إلى مبادرات سياسية عاجلة تمنع تدهور الأوضاع وتحافظ على الاستقرار.
وفي ظلّ استمرار حالة الغليان، تبقى الأنظار شاخصة نحو البيانات الرسمية المرتقبة والإجراءات التي ستتخذها حكومة الإقليم لاحتواء الموقف قبل أن يتسع نطاقه أكثر.
متابعات
س ع



اضف تعليق