توفي الفنان المصري لطفي لبيب عن عمر يناهز 77 عامًا، بعد مسيرة فنية حافلة تجاوزت أربعة عقود، جسّد خلالها عشرات الشخصيات التي حفرت اسمه في ذاكرة الجمهور المصري والعربي. وبرحيله، طويت صفحة أحد أبرز الوجوه التي جمعت بين البساطة والعمق، والقدرة على المزج بين الكوميديا والدراما، بأسلوب فني فريد.
وُلد لطفي لبيب عام 1947 في محافظة بني سويف، وتخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة، قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ويبدأ مسيرته الفنية التي تأخرت نسبيًا بسبب أدائه للخدمة العسكرية، حيث كان من جنود القوات المسلحة المصرية وشارك فعليًا في حرب أكتوبر عام 1973، وهي التجربة التي ظل يفتخر بها حتى آخر أيامه، وكتب عنها لاحقًا في مذكراته الفنية، مؤكدًا أنّ وقوفه في الميدان كان أعظم ما أنجزه في حياته.
بدأت انطلاقته الفنية الحقيقية في منتصف الثمانينات، وشارك في عشرات العروض المسرحية والأعمال الدرامية والسينمائية، وأثبت نفسه كممثل قادر على أداء الأدوار المركبة ببراعة لافتة. تنوعت أدواره بين الموظف البسيط، والطبيب، ورجل الأمن، والأب المصري الطيب، ما منحه شعبية كبيرة بين مختلف الأجيال. ومن أبرز أعماله في السينما أفلام "السفارة في العمارة"، والذي لعب فيه دور السفير الإسرائيلي في القاهرة، أمام الفنان الكبير عادل إمام، وتألق في الدور بشكل حاز إعجاب الجمهور والنقاد.
ومن أبرز أعمال أيضاً: "عسل أسود"، و"طير أنت"، و"اللمبي"، و"كدة رضا". أمّا في الدراما التلفزيونية فقد لمع في مسلسلات مثل: "الراية البيضا"، و"زيزينيا"، و"الناس في كفر عسكر"، و"رجال في المصيدة"، و"دنيا جديدة"، و"أحلامك أوامر"، كما شارك في أعمال اجتماعية وثقافية عديدة منها "الشارع الجديد" و"لحظات حرجة" و"نكدب لو قلنا ما بنحبش".
كان لطفي لبيب فنانًا مثقفًا ومحبًا لوطنه، وكان دائمًا يصرح بأنّ الفن رسالة لا تنفصل عن الواقع، وأنّ الفنان الحقيقي هو الذي يحمل هموم الناس ويعكسها بصدق على الشاشة. في السنوات الأخيرة، قلّ ظهوره بسبب المرض، حيث أعلن قبل سنوات عن إصابته بجلطة دماغية أثرت على حركته، لكنّه ظل حريصًا على متابعة الأعمال الفنية والتواصل مع الجمهور بكلماته الدافئة وابتسامته الخجولة.
نعى العديد من الفنانين رحيل لطفي لبيب بكلمات مؤثرة، فكتب بعضهم عنه باعتباره "ضمير الفن المصري"، ووصفه آخرون بأنّه "صوت العقل في زمن الصخب"، بينما عبّر فنانون شباب عن امتنانهم لأنّه منحهم فرصة العمل معه وتعلم الوقوف أمام الكاميرا إلى جانبه. وكان الحزن واضحًا في كلمات الفنانين الذين عاصروه طويلاً، مؤكدين أن فقدانه ليس فقط خسارة فنية بل إنسانية، لما تميز به من دماثة الخلق ونبل الموقف وروح الدعابة النقية.
برحيل لطفي لبيب، فقدت الساحة الفنية العربية أحد ملامحها المضيئة، تاركًا خلفه إرثًا من المحبة، وتجربة إنسانية وفنية وإنجازًا وطنيًا سيبقى محفورًا في وجدان المصريين، فهو الفنان الذي خدم بلاده في الميدان أولًا، ثم بالكلمة والصورة والفكرة، دون ضجيج أو استعراض، بل بحس هادئ وصادق حتى آخر نفس.
ع ع
اضف تعليق