يشهد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا، زيادة كبيرة في حالات إيذاء النفس بواسطة أدوات شائعة متوفّرة في المنزل، وفق ما توصّلت إليه دراسة جديدة.
وقد فاق معدّل الحالات المبلّغ عنها إلى مراكز مكافحة التسمّم جرّاء تعرّض الأطفال لمواد سامة، نسبة 50% منذ العام 2000، وفق الدكتورة هانا هايز، المشاركة في إعداد الدراسة، ورئيسة قسم علم السموم في مستشفى "نيشنوايد تشيلدرن"، والمديرة الطبية لمركز السموم في وسط أوهايو.
وأضافت أنّ عدد الحالات التي يُشتبه بأن لها علاقة بمحاولات انتحار أو نية لإيذاء النفس، قد ازداد بنحو أربعة أضعاف، مشيرة إلى أنّ هذه الحالات تؤدي أكثر إلى مضاعفات طبية خطيرة لدى الأطفال، أو إلى الاستشفاء".
كما لاحظت هايز تزايد عدد الأطفال، لا سيّما الأصغر سنًا، الذين يعانون من إيذاء النفس أو ميول انتحارية، وأرادت فهم ما إذا كان هناك اتجاه فعلي تؤكّده البيانات. وبغية التحقّق من ذلك، قام الباحثون بتحليل أكثر من 1.5 مليون بلاغ بشأن حالات التعرّض للمواد السامّة وردت إلى مراكز مكافحة التسمّم في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
ووفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة Pediatrics التابعة للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، الإثنين، فإنّ عدد البلاغات التي اشتُبه بأنها مرتبطة بإيذاء النفس بين الأطفال البالغين من العمر 11 عامًا، قد ارتفع بنسبة 398% منذ العام 2000، بينما بلغت الزيادة 343% لدى الأطفال بعمر 12 عامًا.
ذكرت الدراسة أن المواد التي وردت في البلاغات شملت منتجات منزلية شائعة مثل:
مسكنات الألم
مضادات الهيستامين
أدوية البرد
الفيتامينات
لماذا تزايدت حالات إيذاء النفس؟
برأي الدكتورة جينيفر هوفمان، أستاذة مساعدة بطب الأطفال في جامعة نورثويسترن، وطبيبة طوارئ أطفال في مستشفى "آن وروبرت إتش. لوري" للأطفال بشيكاغو، غير المشاركة بإعداد الدراسة، أن سبق للباحثين أن درسوا بيانات تتعلق بالأطفال الصغار الذين يبتلعون الأدوية من طريق الخطأ، والمراهقين الذين يتناولونها بقصد الإيذاء أو لأغراض ترفيهية، لكن هذه الدراسة تُقدِّم بيانات مهمة عن الفئة العمرية الواقعة بين هذين العمرين، أي بين 6 و12 عامًا.
وأضافت الدكتورة هانا هايز أنّ قوة الدراسة تكمن في العدد الكبير من البلاغات التي تم تحليلها، لكنّها أشارت إلى أنّ حالات التسمّم هذه غالبًا ما تكون أدنى ممّا يُبلَّغ عنه في الواقع لمراكز مكافحة التسمّم، لأن العائلات لا تُفكّر في الإبلاغ إلا بعد حدوث مشكلة. وهذا يعني أن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى بكثير ممّا هو مذكور في الدراسة.
أما الدكتور كريستوفر ويلارد، اختصاصي علم النفس ومحاضر في قسم الطب النفسي بكلية الطب في جامعة هارفارد، غير المشارك في الدراسة، فيعتقد أن الزيادة في حالات تناول المواد السامة بقصد الإيذاء مقلقة، لكنها منطقية بالتوازي مع تزايد التقارير التي تشير إلى وجود مشاعر انتحارية لدى الأطفال الأصغر سنًا.
وأضاف في حديثه لـCNN: "مع الأطفال الأصغر سنًا، من الصعب دومًا معرفة ما إذا كانوا يفهمون تمامًا عواقب سلوكهم، أو ما هي نواياهم الحقيقية". كما أشار إلى مشكلة إضافية تتمثل في أن العديد من المنازل تحتوي اليوم على مواد سامة أكثر من الماضي، مثل:
الأدوية سواء بوصفة أو من دون وصفة
منتجات التنظيف
المكملات الغذائية
منتجات الماريجوانا الترفيهية
الحد من الوصول إلى الأدوية
بالنسبة لهوفمان فإن أهم الدروس المستخلصة من هذه البيانات يتمثل بأن على العائلات:
تخزين الأدوية، سواء الموصوفة أو المتاحة من دون وصفة، في أماكن مغلقة وآمنة،
والتخلص من المنتجات القديمة أو غير المستخدمة بطريقة آمنة.
وذلك للمساعدة على تقليل فرص وصول الأطفال إليها، ومنع حالات إيذاء النفس، أو التسمّم العرضي.
وقالت هايز: "مع ازدياد سهولة الوصول، تزداد كذلك احتمالية التعرض لمختلف الأمور"، مضيفة أنّ جزء الدماغ المسؤول عن اتخاذ القرارات والتخطيط لا يكتمل نموه إلا في منتصف العشرينات من العمر، وبالتالي فإن الأطفال الذين يستطيعون الوصول إلى أدوية ضارة قد يتخذون قرارات متهوّرة من دون إدراك كامل للعواقب.
دور السياسات العامة في تقليل الوصول
أشارت هايز إلى أن صانعي السياسات يمكنهم أن يلعبوا دورًا مهمًّا للحد من الوصول إلى الأدوية الضارة من خلال:
تقييد حجم عبوات الأدوية عالية الخطورة،
ونشر استخدام عبوات الأشرطة (blister packs) التي تتطلب إخراج كل قرص بشكل منفصل.
وأشارت إلى أن "الدقائق القليلة التي يستغرقها الطفل لإخراج الحبوب من عبوة الشريط قد تكون كافية لجعله يعيد التفكير بما يفعله ويتوقف، الأمر الذي قد ينقذ حياته".
وأكدت هايز على ضرورة أن تكون العائلات واعية ومنتبهة لما يجب مراقبته، لأن "الأطفال لا يأتون دومًا كي يقولوا بشكل مباشر: 'أنا مكتئب' أو 'أشعر أنني أريد أن أؤذي نفسي'"، وتابعت: "لكن يمكن للأهل أن يلاحظوا تغيّرات لدى أطفالهم".
من العلامات التحذيرية التي يمكن الانتباه لها:
تغيرات في المزاج مثل زيادة في العصبية، والشعور باليأس، والبكاء المتكرر من دون سبب واضح،
تغيرات في السلوك مثل رفض الذهاب إلى المدرسة،
مؤشرات جسدية مثل الصداع، واضطرابات في النوم أو الشهية.
وأضافت هايز أنه "إذا شعرت في داخلك أن ثمة أمر غير طبيعي، فالخطوة التالية تستوجب سؤال طفلك مباشرةً. ومن هناك، تواصل مع محيط الأمان من حولك، مثل المدرسة، والمستشارين، وطبيب الأطفال، من أجل وضع خطة أمان والحصول على توجيهات واضحة حول الخطوات التالية".
أما الدكتورة جينيفر هوفمان فأكدت أن الانتحار لدى الأطفال غالبًا ما يكون فعلًا اندفاعيًا نتيجة حدث ضاغط، وغالبًا ما يحدث حتى في غياب تشخيص سابق لحالة نفسية. لهذا السبب، دعت إلى تعزيز جهود الوقاية الشاملة التي تشمل جميع الأطفال، وليس فقط من لديهم تاريخ مرضي معروف.
متابعات
س ع
اضف تعليق